يستمر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في تثبيت حضوره السياسي على الصعيد العربي والدولي، وراكم تجربة يعتدّ بها، أخذت المملكة إلى مواقف معتدلة وحازمة بعد الازمة الروسية الأوكرانية واندلاع الحرب التي أودت بالعالم إلى محورين اثنين، لكن الامير الشاب استطاع أن يتمايز فأخذ السعودية إلى مكان اكثر اتزانا وواقعية، ونجح إلى حد كبير في تثبيت حنكته السياسية بتصحيح علاقات المملكة مع الولايات المتحدة الأميركية بعدما حاولت الأخيرة إقصاء المملكة عن المشهد الدولي والعربي مع بداية حكم جو بايدن.
جاءت زيارة الرئيس الاميركي الى المملكة كزيارة اعتذار ومجاملة بعد إخفاق الولايات المتحدة في تطويع السعودية والإمساك بملفاتها لكن الامير محمد بن سلمان واجه التحدي بتحدٍّ مثله ونجح في استدراج الأميركيين إلى خياراته مستفيدا من العجز السياسي والاقتصادي الذي فرض نفسه على العالم بعد الحرب الروسية الاوكرانية.
نجح محمد بن سلمان في تكريس سياسة الإعتدال وعدم الارتهان لأي محور من محاور الحرب وجنب المملكة شظايا هذه الحرب وتداعياتها السياسية والإقتصادية وابقى النفط السعودي ملكا للسعودية فقط، خارج الاستغلال والابتزاز الأميركي ونجح في التصدي للغة الإبتزاز والهيمنة وهو لا يزال يدير ملفاته بعناية فائقة تنسجم ومصالح المملكة والعرب اولا.
عاد الرئيس الأميركي من السعودية بخفي حنين ولم يفرط بن سلمان بالنفط السعودي ولم يبيع الاميركيين اي موقف سياسي جديد فيما يتعلق بالازمة الروسية الأوكرانية أو لبنان أو إيران وابقى كلمته لديه بعيدا عن عن لغة البيع والشراء التي تعتمدها الإدارة الأميركية.
قمة جدة كانت جادة في تثبيت السياسة السعودية المعتدلة، وكانت جادة اكثر في تكريس واقع عربي جديد بقيادة الامير محمد بن سلمان، وفي ظل هذه القيادة لا بد من الاستفادة عربيا من سياسة الإعتدال والشفافية التي تنتهجها المملكة في معالجة الملفات الإقليمية والدولية وفي مقدمها الملف اللبناني حيث يستطيع اللبنانيون الرهان على المملكة العربية السعودية في معالجة الازمة اللبنانية فيما لو أحسنوا خطابهم وخياراتهم والتزموا الخيارات العربية وهويتهم العربية.
إن لبنان لن يكون خارج عمقه العربي ولن يقوم إلا بتثبيت خياراته العربية وان الرهان على دور فاعل اكبر للسعودية في لبنان هو بداية الخلاص.