حكومةٌ، لا حكومة، حكمٌ لا حكمٌ، ولا يحكمون..
لا فرقَ عندنا إنْ حلّوا وإنْ رحَلوا..
وكلُّ نجمٍ لا يهتدي بـهِ الناس يتمنّون غروبَـهُ..
حكوماتُ هذا الحكم لها رُبَّانُها، والمجاذيف في يديـه كما الرماح..
وتحسُّباً لما بعدَ العهد، فإنَّ أيَّ حكومة بالنسبة إلى تيار العهد ورُبَّانِه هي أشبهُ بسفينة نـوح، مَـنْ ركِبَها نجَـا ومن تخلّف عنها هَـلِك.
على أنَّ الحكومة في الأصل هي سفينةٌ تُبْحـرُ في المحيطات، في معـزلٍ عن الذين يغرقون في مياه السواحل.
نحن أين..؟ ولبنان أين، وأين الذين يحملون الفوانيس ويفتِّشون في الآبار عن وزراء للحكومة..؟
أين هم، من الحكومات في مفهومها العلمي والدستوري والديمقراطي وحتى اللّغوي..؟
الحكم في اللغة، هو العلم والفِقـهُ والقضاء والعدل والبتُّ والفصل، والحكم عند علماء النفس هو تعبيـرٌ يُثبتُ مضمونَ القولِ بالعقل.
والحاكم حسب الإصطلاح الفلسفي سُمّـيَ حاكماً لأَنـّه يمنع الظلم عن المظلوم.
الحكومة قبل دستور الطائف كانت سلطةً تنفيذية تحت سلطة رئاسة الجمهورية، والحكومة بعد الطائف أصبحت السلطة الإجرائية والتنفيذية معاً، هذا يعني أنّ الوزير هو حاكمٌ في إطار مجلس الوزراء مجتمعاً ولم يعـد محكوماً بسلطة دستورية وإجرائية فوقـه.
ولكن، ما معنى الوزير، والوزير الحاكم..؟
الوزير في الأساس لفظة فارسية معناها الكبير.
في المقارنة اللبنانية، وفي عهد الرئيس أمين الجميل وبرئاسة الرئيس رشيد كرامي، كان الرئيس كميل شمعون وزيراً، وكان الرئيس عادل عسيران وزيراً، وكان الرئيس سليم الحص وزيراً وكان الشيخ بيار الجميل وزيراً، وكان الوزير عندنا يعني الكبير.
وإنْ شئتُ أنْ أذهبَ عميقاً في البُعْـدِ الديني، يتَّضح أنّ الخلفاء والوزراء إنما هـمُ اختيارٌ إلهي.
«يا داود إنّا جعلناك خليفةً في الأرض فاحكمْ بين الناس بالحـقّ ولا تتّـبع الهوى فيضّلك عن سبيل اللـه» (1).
..«واجعل لي وزيراً من أهلي (2)..» هذه الآيـة تؤكّـد أنّ موسى يستجيرُ باللـه في تعيين هارون وزيراً لـه.
والمسيح الذي تجلَّـى مَلِكاً للـه على الأرض قـرّر ملوك الأرض الوثنيّون قتْلَـهُ، حتى ولو لم يكن ملكُه من هذا العالم.
كيف نفهم مع هذا، مهمّـة الحكم والحكومة ومسؤولية الوزير..؟
في المقارنة اللبنانية كان الوزير واجهةَ قيادات البلاد..
وفي مفهومٍ روحيّ ، الوزير مشيئةٌ إلهيةٌ في الدنيا يحكم بين الناس بالحقّ.
أيُّ حكمٍ عندنا إذاً وأيُّ حكومةٍ.. ولأيِّ لبنان..؟
وأيَّ وزير تختارون للبلاد.. والبلاد يهـبّ عليها إعصارٌ تكاد الأرض تـزيحُ من تحتـهِ..؟
كلُّ بلادٍ ترتقي بقدر ما يكون عليه حكامها من رفعةِ شأنٍ ونزاهةِ حكمٍ وبـراءةِ نفسٍ وعفَّـةِ كـفٍّ ولسان.
وكلُّ المآسي التي بُلينا بها مصدرها تجـرُّد الحكام من مزايا رجال الحكم، والتأرجح بين حكومات الفعل وحكومات الظـلّ، والحكم الرسمي والحكم الحقيقي.
بهذا يقول عالم الإجتماع الأميركي «هارولد لاسويل - Laswell»: «إنّ الحاكم الحقيقي ليس دائماً الحاكم الرسمي، قد يكون هناك حاكمٌ رسمي وحاكمٌ فعلي، وحكومةٌ ظاهرة وحكومة مستترة».
حكومةُ أعمالٍ بلا رجال، أو حكومةُ تصريف أعمال، أو حكوماتٌ محكومةٌ مراسيمُها بالقلم الأحمر والأصابع المستعارة.
صلّـوا عليها وعلى لبنان وسلّموا.. وسيروا خلف دولةٍ كأنّها جثّـةٌ في نعشٍ محمولةٌ على أكتاف جوقـةِ الشرفِ الحكومية.