كلّفوهُ، كأنَّ ما كلَّفوهُ وَهُـمُ الحكْمُ: أُمُّـهُ وأبـوهُ.
كلَّفوه… وأيَّ حكومةٍ سيؤلِّف…؟ ما هو اسمها وشكلُها ولونها، وأيَّ رداءٍ ترتدي التماثيل العارية..؟
تتكرَّر المسرحيات الدستورية على مـدى السنوات الستّ، تصدُرُ مراسيم «التجنيس» السياسي للحكومات، وتكثر التسميات باسم الوطنية والوحدة الوطنية لتحسين ِصورةِ الجسم بالإسم، كالعبدةِ التي تُطلِقُ على مولودها إسمَ القمر.
حكومةٌ وطنية في وطنٍ مدمَّـر، ووحدةٍ وطنية في وطنٍ مبعثر، لا هي حكومة، ولا وطنية، ولا وحدويّة، بل تكاد تُشبهُ تلك الإمبراطورية الرومانية المقدسة، التي كان البابا فيها يسيطر على أرواح الناس والأمبراطور يسيطرُ على أجسادِ الناس، وفيها يقول الفيلسوف الفرنسي «فولتير»: «إنَّ الأمبراطورية الرومانية المقدسة، لم تكن رومانية ولا أمبراطورية ولا مقدسة»...
ولكن، هذا النابغة «فولتير»، عندما تخلَّـى عن وظيفـةٍ في القصر الجمهوري للإنصراف إلى العمل المسرحي، لم يكن يدرك أنّ أبـرز الأعمال المسرحية هي التي تُمثَّلُ في القصور.
كلّ التسميات عندنا، أكثـرُ ما تكون ألقـاباً مستعارة: حكومةٌ سياديّة، رئيسُ حكومةٍ سيادي، حقائبُ وزارية سياديّة، نـوابٌ سياديون، الحدود البحريّة سياديّة، والحدود البرّية سياديّة جداً، والسيادة عندنا مكبّلة بسلاسل العبودية، والذين يحكمون باسم السيادة يموتون في سبيل الحكم وهـمْ أحياءٌ عند لبنان، يُرزقون ويسترزقون.
أيَّ حكومةٍ سيؤلَّف المكلَّف، إذا ما اصطدم بهذا «الغـول» الذي إسمه الميثاقية، أو إذا رُسمَتْ في وجهـه شروطٌ كأنّها البيان الوزاري: وزارة الخارجية في مواجهة العقوبات الأميركية، وزارة الطاقة لمواجهة استخراج الغاز، وزارة العدل للتحَّكُم بالقرارات، وطائفةٌ سمينة راجحة من التعيينات الإدارية والمالية والقضائية والعسكرية، لتبرير الإقتناع بها تتـمُّ مطاردةُ حاكم مصرف لبنان بوصفه الطريدة التي يطيب للشعب استهدافها بالإتّهام.
بمعنى آخـر، إذا تعذّر الإستمرار بالحكم بواسطة امتلاك الرئاسة الأولى، فليكن الإستمرار بامتلاك أجهزة الدولة، تطاولاً على العهد الذي يأتي ومصادرة نفوذه السلطوي.
هكذا… مع كل استحقاق تُفرض الشروط: فإمّا أنْ تكون وإمّـا الفراغ، وهي محكومةٌ بقبضتين: القبضة التي تحمل قلم توقيع المراسيم، والتذرُّع بقبضة القـوّة الظاهرة أو القـوّة المستترة، والسلامُ لإسمِـه مـار مخايل المقيـم في الشياح.
وطـنٌ يتهاوى على حبال الإنهيار ومشارف الهلاك، ونحن نتسابق على مكاسب ذاتية «سيادية» وعلى بقايا دولةٍ أصبحت جماداً وهيكلاً عقيماً.
ماذا… ونحن في ظلالِ معمعةٍ من التصارعات الدولية والإقليمية، مشحونةٍ بالتحولات التاريخية والجغرافية في المنطقة والعالم…؟
فهل تستطيع هذه الدولة السيادية أنْ تؤلّف حكومة، أو تنتخب رئيساً للجمهورية من دون إرادةٍ دولية…؟
وإلاّ… فلا تقولوا: في لبنان دولـةٌ وحكمٌ وحكومةٌ وسيادة وأسياد وسياديّون… بل هو بلـدٌ: البابُ فيه أكبر من البيت.