إنَّ أصل الإنسان محال أن يعرف بالعلم والعقل، وقد عرَّف الإنسان نفسه بتعاريف شتَّى، ولكنه يبقى كائناً غريباً، ويجتمع فيه كل مخلوقات الله تعالى، ومع هذا، فهو لا يعي نفسه وذاته، وقد عبَّر أمير المؤمنين الإمام علي (ع) بقوله: (أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر... إنَّ الإنسان في بعض حالات يشارك السَّبع الشداد أي الكون بكامله). إنَّ السوسة الغريبة التي تنخر في دماغ الإنسان اللبناني، ولا يعرف كيف يبرأ منها أو يتعافى في سلسلة من التجارب التي تتكرر مرة بعد مرة، وكلما لاح بصيص أمل أو فرصة لتصويب الاتجاه للخروج من هذا النفق المظلم المأساوي، واختيار مسلك لقيام الدولة والقانون والمؤسسات التي تعكس آمال وتطلعات الشعب اللبناني، نراه يغرق نفسه وشعبه في آتون آخر من سعير النيران والفتنة والحصص المتآكلة والتي تأكل كل ما تبقى من هياكل البلد، أخضره ويابسه، وتدمير البشر والحجر. عجيب أمر هذا اللبنان بإنسانه، هل نحن فعلاً مخدرون، أم أن السلطة هي سلطة فراعنة وجبت وطواغيت؟. إنَّ فرعون الذي لعنه القرآن الكريم منذ ثلاثة آلاف سنة، ليس فرعون الميِّت، بل هو فرعون الحي، الذي يتناول إفطاره صباحاً في حصنٍ سرق نفقاته من المال العام وتعب الناس، وسط نظامٍ يحفظه وحراسة مشددة من سيَّافين محترفين، يدفع راوتبهم من مال الناس وضرائبهم وأرزاقهم وعرقهم وتعبهم، فالمشكلة لا تكمن في فرعون الشخص، بل تكمن في علامات عصره الإستبدادي والإقطاعي، ووقوع النظام وجهاز الدولة في يده، يحرسه جيشٌ لا يميز بين البعرة والبعيرة، ويخدمه جيش من الكهنة السيئين المنحرفين، هدفه هذا الفرعون أن يتسلَّى ويتسلَّق قمة الأهرام، ويسخِّر جهد الشعب الميت الذي يتنفَّس في رفع حجر ميتٍ كبيرٍ لأبي الهول. هذه مشكلة فرعون رادوفان لبنان، الذي يذكرنا بالحوار الذي جرى مع رئيس جمهورية صربيا المجرم الفرعوني الصربي (رادوفان كاراديتش) مع مراسل مجلة (شبيغل) الألمانية، فعندما سأله عن اغتصاب خمسين ألف امرأة على يد الصرب، فقال: من فعلها هم المسلمون؟؟. قالوا له: فما بال القبور الجماعية؟ قال: هي جثث الصرب؟ نعم، فهو يعلم ويعرف أنَّ الجثث لا تتكلم.