كشف الإستحقاق الإنتخابي النيابي حجم الخلاف اللبناني – اللبناني ومدى تجذره في النفوس الطائفية ومدى حاجات الطوائف للتنفيس عن احتقاناته في أجواء تصرف فيه حالات الكراهية الشديدة والمواقف الصاعدة من عواطف مميتة وقاتلة .
بدت الثورة هزيلة وغير متوفرة في التحضيرات الإنتخابية القائمة وبدت مجرد وجه من وجوه الطوائف الكالحة وازدادت الطوائف قوّة وطغياناً واحتكاراً وتسلطاً على نفسها وعلى غيرها وبدت الدولة أكثر ارتكاساً وأكثر غياباً أمام جحافل الطوائف وشهد المشهد الإنتخابي عروضاً لسياسات المزارع ومعامل التعليب الطائفي وهذا ما أكدّ استحالة النهوض من كبوات الجهل واستبعاد الحلم بقيام دولة بمعايير الدولة العصرية لا دويلات الطوائف .
حاجة اللبنانيين إلى التقاتل في ما بينهم بلغت حناجر الخطابات الرنانة وبات التحريض أرخص سلح في المعركة الإنتخابية والوسيلة الفضلى لدى قيادات الأحزاب التي لا تتقن سوى فنّ الحروب المتنقلة سعياً وراء الزعامة بكل مكتسباتها وهذا ما فضح وعرّى لباس المسؤولين اللبنانيين الذين افتقدوا لحكمة الآباء اللبنانيين ممن أسّسوا لصيغ السلم الداخلي ويبرز هنا سيّد السلام والكلام في لبنان الإمام موسى الصدر من خلال مواقفه من الفتن بين اللبنانيين ومن الحروب واعتبار الطوائف نعمة اذا ما تسالمت ونقمة اذا ما تخاصمت وأعلا من شأن الدولة التي ترعى لبنانيين متساوين في الحقوق والواجبات ورفض أي مقايضة أو بديل عن دور الدولة سواء أكانت جهة أو حزياً أو طائفة وحذّرمن البحث عن الوطن في مزابل التاريخ إذا ما اختارت الطوائف الحرب على السلم الأهلي .
يبدو أن قيادات الطوائف متحمسة للغلبة وما يشجعها إنقساماتها في السياسة وفي المحاصصة وفي التبعية للدول الخارجية وهذا ما سيجعل الموسم الإنتخابي نذير شؤم على بلد فقد شهيته في الحياة ويسارع إلى الموت على نيّة الطائفة التي تتسلح بكل ما أمكن لها من قوّة كيّ تتقوّى من جديد ضدّ الطائفة المستقوية على الجميع وبين معادلات الطوائف الكبرى ومستلحقاتها من الطوائف الصغرى تأخذ الإنتخابات النيابية مأخذ الحرب المجنونة والمستعرة بوجه حلفاء وخصوم وأعداء لتثبيت منطق طبقة سياسية مسيطرة أو لتحجيم منطق هذه الطبقة المسيطرة .
على كلا الوجهين وسواء استبقى الأقوياء أنفسهم كأكثرية نيابية أو تهالكوا لصالح شبه أكثرية أخرى سيدفع اللبنانيون أثمان خيارات الطوائف وقد تكون الفوضى والفراغات المتعددة في المؤسسات القائدة إحدى عناوين المرحلة المقبلة في ظل تنامي حالات البؤس الإجتماعي والإقتصادي وموت العملة اللبنانية لتتسع دائرة جهنم السلطة أكثر للبنانيين نائمين حتى الآن في المخادع الآمنة للعملة الصعبة .