يعود المشهد الداخلي العام إلى التموضع في ما يمكن تسميته «مثلث رعب»؛ في ضلعه الاول تتبدّى حال من الارتجاج المريب في سوق الصرف، أفضت إلى حال من انعدام التوازن المالي والنقدي، أخضع الواقع الاقتصادي المسموم للعبة دولار بمجموعة أسعار تستنزف المواطن اللبناني، ما بين السعر الرسمي، وسعر منصة صيرفة، وسعر البنوك، والسوق السوداء.. وكلها تقود إلى مكان واحد، وهو «تشليح» المواطن اللبناني النذر القليل من المدّخرات المتبقية لديه.
وفي موازاة هذا اللغز المحيّر بالاسعار المتعددة للدولار، وعدم تقديم تفسير أو توضيح للناس حول حقيقة ما يجري؟ ولماذا هذه الفوضى؟ وإلى أين يُقاد البلد في ظلّها؟ تتبدّى الجريمة الكبرى والمتمادية التي ترتكب بحق المواطن الذي بات يُسابق لقمة عيشه، ويتعرض لأبشع عملية ابتزاز لم يسبق لأي دولة أن شهدت مثل وساختها، تقوم بها عصابات لا رادع أخلاقياً أو انسانياً لها، دأبت منذ بداية الازمة على احتكار الأساسيات ورفع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية إلى مستويات جنونية، فيما السلطة التي يفترض أنها حامية لاستقرار المواطن وساهرة على أمنه الاجتماعي، لم تقدّم ولو من باب حفظ ماء الوجه،إيّ إجراء جدّي يوحي بأنّ الدولة موجودة، وينفّس الغضب المتراكم في صدور المواطنين، ويردع تلك العصابات ويكبح تفلّتها ويزجّها في السجون، ويدفّعها الثمن الباهظ على سياسة الدمار الشامل التي تنتهجها بحق اللبنانيين.
وفي الضّلع الثاني لمثلث الرّعب، يتحصّن الوباء الكوروني، الذي بلغ ذروة مخيفة جداً في تفشّيه. وأمام حال الاستلشاء والتراخي السائدة في أوساط الناس، يضاف اليه الضعف المفجع في إجراءات الدولة الحمائيّة والوقائيّة، بات هذا الوباء يهدّد باجتياح المجتمع اللبناني بأسره وينذر بكارثة صحيّة يصعب احتواؤها. والمريع في الأمر هو الخفّة في التعامل الرسمي مع هذا الوباء، والهروب من الواقع الى كلام يطمئن بأن الوباء تحت السيطرة، يكتفي بتقديم النّصح للمواطنين، فيما أعداد الاصابات صارت بالآلاف وأكبر كثير من أرقام الاصابات التي يتم الاعلان عنها. وهو ما تؤكده مصادر صحيّة لـ«الجمهورية» حيث تقول «إن الوضع الوبائي مأساوي، لا تنفع معه سياسة التسكين التي تمارسها الجهات الرسمية، في الماضي كانت الاعداد تحصى بالمئات، اما في هذه الفترة فالاعداد بالآلاف، والبلد مقبل مع هذا الوضع على بلوغ أرقام مخيفة جداً في عدد الاصابات، حيث لن يطول الوقت حتى تتعالى صرخات المستشفيات وعدم قدرتها على استيعاب الاعداد الهائلة من الحالات المصابة، وهو الأمر الذي يضع الحكومة أمام واجب إعلان حالة طوارىء صحيّة مقرونة بخطوات وإجراءات بالغة الشدة لِتدارك الأسوأ.
أمّا في الضّلع الثالث لمثلث الرّعب، فتتبدّى جبهة سياسية مشتعلة بانقساماتها وتناقضاتها، وتحضّر البلد لصراع انتخابي مرير.
ما هو جليّ في هذا المشهد، هو أنّ المكوّنات السياسية على اختلافها باتت متأهبة لخوض الاستحقاق الانتخابي، وأغرب ما في هذه الصورة هو أنّ غالبيّة هذه المكونات المتصارعة تمارس لعبة أكبر منها وتفوق أحجامها الطبيعية، وتورّم نفسها إلى حد تتوهّم هي، وتوهم الناس، بأنّها الفاعلة والمؤثّرة في لعبة التوازنات الداخلية، والقادرة على إحداث انقلاب يقلب الواقع النيابي رأساً على عقب. فهذه المبالغة في الثقة الزائدة بالنفس، تبدو أقرب إلى شيك بلا رصيد، أمام قانون انتخابي (القانون الانتخابي الحالي القائم على الصوت التفضيلي، ونسبية محدودة في بعض الدوائر) يفتقد إلى الحدّ الادنى من القدرة على تغيير الواقع الحالي، بل لا يستفيد منه سوى القوى التي أعدّت هذا القانون ما يُلغي كل مطلب جدي بالتغيير، وهذه النتيجة المسبقة تؤكّدها كلّ مراكز الأبحاث والدراسات والإحصاءات الإنتخابية الداخلية أو تلك التي استعانت بها بعثات ديبلوماسية، حيث التقت جميعها على أن التغيير إن كان سيحصل، فسيكون في أضيق حدوده، وفي دوائر محدودة جداً، بما يسقط كلّ رهان على تغيير جدي أو جذري.
الصورة الانتخابية العامة تَشي بمعركة حامية على انتخابات لن تحمل التغيير المنشود. وكلّ الاطراف تشحذ اسلحتها لهذه المعركة. وكل الوقائع المتصلة بهذا الاستحقاق تشي بدورها بأن البلد مقبل خلال فترة الاشهر الثلاثة الفاصلة يوم الانتخابات في 15 أيار، على مزيد من رفع منسوب التوتّر السياسي، خصوصاً أن أطراف الانقسام الداخلي باتت على جهوزية تامة للاستثمار على أي عنوان، أو أي حدث أو تطور داخلي أو خارجي وتسخيره في الاتجاه الذي يخدم معركتها الانتخابية.
على أنّ هذه الصورة تتجاذبها فرضية مسلّم بها في مختلف الأوساط الداخلية، بأنّ الفترة الممتدة من الآن وحتى الانتخابات قد تخبّىء الكثير من المفاجآت والوقائع التي قد تفرض نفسها على مسار الإستحقاق الانتخابي ومصيره.