اشارت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية الى انه "الاحتفال في وزارة الطاقة اللبنانية بالامس كان مهيباً، انفجر المشاركون ضحكاً، تهنئة متبادلة عن "عهد جديد" وأمل لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية. وعندما تحدث وزير الطاقة عن اتصال أجرته السفيرة الأميركية في بيروت، دوروتي شيا، لتهنئته بالاتفاق، انطفأت الكهرباء في مبنى وزارة الكهرباء اللبنانية تحديداً".
ولفتت الى ان التوقيع على الاتفاق الثلاثي بين الأردن ولبنان وسوريا بشأن تزويد الكهرباء من الأردن للبنان لم يضئ شوارع بيروت بعد، وستمر أشهر على الأقل إلى أن تكمل سوريا ملاءمة خطوط الكهرباء التي تمر بينها وبين لبنان، ولن تكفي كمية الكهرباء كل احتياجات الدولة. ولكنها البداية، وبعد فترة قصيرة سيحصل لبنان على الغاز من مصر، مروراً عبر سوريا، التي ستقتطع حصة تبلغ 10 في المئة في المقابل.
وذكرت بان هذا الاتفاق الذي تم عقده بمساعدة الولايات المتحدة، رغم خرقه –رسمياً- العقوبات المفروضة على سوريا، إنما هو بمثابة مساعدة طارئة لدولة ساد فيها الظلام في السنة الأخيرة. المستشفيات وغرف العمليات لم يكن بإمكانها مواصلة العمل، والمدارس أغلقت بسبب برودة الطقس، والمواطنون جمعوا الخردة ومواد التدفئة الطبيعية لتدفئة بيوتهم قليلاً، وامتدت أمام محطات الوقود طوابير طويلة من السيارات التي كانت تأمل الحصول على القليل من الوقود. ولكن في الوقت الذي يكافح فيه البنك المركزي والبنوك التجارية نقص الدولارات، وفي الوقت الذي باتت فيه الدولة غير قادرة على تمويل خدماتها الأساسية، فإن الكهرباء والغاز غير كافيين وحدهما.
واعتبرت الصحيفة الاسرائيلية بأن حل مشكلات لبنان الاقتصادية لا يحتاج إلى صيغة سحرية. تعهدت الدول المانحة قبل أكثر من 3 سنوات بإقراضها 11 مليار دولار، واستعد صندوق النقد الدولي لإقراضها 5 – 10 مليارات دولار شريطة أن توافق الحكومة اللبنانية على إصلاحات اقتصادية عميقة وتظهر سيطرتها على الدولة وتسن قوانين تؤسس لقدرتها على استخدام المساعدات للأهداف التي خصصت لها، وتقدم ضمانات مقنعة بقدرتها على سداد ديونها.
واوضحت بانه "ليس للبنان في هذه الأثناء مصادر دخل مستقلة، والقليل من ديون الماضي واسترداد سندات الدين الحكومية تضطر إلى إعادة جدولتها، وهي خطوة ردعت المزيد من المستثمرين والمؤسسات المالية التي انسحبت من لبنان. الأمل الآن هو أن تضع دول الخليج، لا سيما السعودية والإمارات، الضمانات المطلوبة في أيدي لبنان لتهدئة الدول المانحة. لكن ثمة دماء شريرة تتدفق بين السعودية ولبنان، ويكمن مصدرها في جهود ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لإبعاد "حزب الله" من الحكومة، وتقليص هيمنة إيران وعودة صاحب البيت ليكون في الدولة مثلما كانت الحال في عهد رئيس الحكومة رفيق الحريري، الذي قتل في العام 2005. وصلت جهود السعودية إلى الذروة في 2017 عندما استدعت المملكة رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري، ابن رفيق، إلى زيارة في الرياض، وعندها أجبرته على إعلان استقالته من الحكومة".
وذكرت الصحيفة الاسرائيلية بان "هذه العملية انتهت بفشل ذريع. فقد أدى الضغط الدولي على السعودية إلى إطلاق سراح الحريري، وفور عودته إلى لبنان أعلن إلغاء استقالته، وعاد ليجلس على كرسي رئيس الحكومة. في السنة الماضية، فرضت السعودية المزيد من العقوبات المؤلمة على لبنان، عندما فرضت الحظر على استيراد البضائع من لبنان بعد أن كشفت عدد الإرساليات الكبيرة من ملايين حبوب الإكستازي والمخدرات الأخرى التي تم تصديرها من لبنان داخل حاويات تجارية عادية". وكان قد انضم إلى السعودية، التي علقت علاقاتها الدبلوماسية مع لبنان في تشرين الأول، الإمارات والبحرين. بهذا أكملوا الخنق، الزراعي بالأساس، على الاقتصاد اللبناني. ولكن الكويت اقترحت الوساطة بينهم في الفترة الأخيرة، وفي مشاورات مع السعودية والإمارات صاغت لائحة طلبات من لبنان، يعدّ تنفيذها شرطاً لاستئناف العلاقات الاقتصادية بين لبنان ودول الخليج، ولإعطاء الضمانات المالية للبنان الذي هو بحاجة إليها كي يتلقي المساعدات الدولية.
اضافت "هآرتس"، "هذه وثيقة استسلام استهدفت إهانة لبنان"، هكذا رد "حزب الله" على الطلبات التي عرضت على حكومة لبنان من وزير الخارجية الكويتي، أحمد ناصر الصباح، في نهاية الأسبوع. لقد تضمنت الشروط تعهد لبنان بالرقابة على المعابر الحدودية وفحص الإرساليات التي تخرج منه إلى دول الخليج، وينسق معها النشاطات لمنع التهريب. ولكن العبوة الناسفة تكمن في الطلب السياسي، الذي يلزم لبنان التعهد بتطبيق قرارات الأمم المتحدة، خاصة قرار 1559 من العام 2004، وقرار 1701، التي أنهت الحرب اللبنانية الثانية. وفي هذه القرارات بند غير معقول يقضي بوجوب سيطرة كاملة للحكومة فقط على أي سلاح في الدولة، ونزع سلاح المليشيات المسلحة، منها "حزب الله". ونصت الوثيقة التي عرضها الصباح أيضاً أن على لبنان الرد خطياً على هذه الطلبات حتى 29 كانون الثاني، أي بعد أسبوع على تقديمها. هذا إذاً هو الثمن الذي على لبنان دفعه إذا أراد البقاء على قيد الحياة، هذا ما تقوله دول الخليج.
ولفتت الى انه "من المفضل ألا نحبس الأنفاس قبل انتهاء فترة الإنذار السعودية. فـ"حزب الله" لا ينوي المشاركة في نقاشات الحكومة إذا كانت تنوي مناقشة وثيقة الطلبات. وبدون مشاركته، لا تستطيع الحكومة اتخاذ قرار في هذا الشأن. حزب الله، الذي يتوقع أن يكون المتضرر الأساسي من استجابة لبنان لهذه الطلبات، اقترح الانتظار حتى الانتخابات التي ستجري في 15 أيار، وتحويل النقاش للحكومة الجديدة عندما ستتشكل، هذا بدلاً من إثارة خلاف داخل حكومة فترتها محددة. معنى هذا الاقتراح أن لبنان سيضطر للعيش على آخر البخار المتبقي لخمسة أشهر أخرى على الأقل. وبصورة أكثر واقعية، مع أخذ التجربة في الحسبان، بأن تشكيل حكومة متفق عليها في لبنان هو ملحمة ستستغرق عدة مواسم".
اضافت "قد يتأخر تشكيل الحكومة أكثر عقب إعلان سعد الحريري عن تعليق نشاطه السياسي، وعدم نيته التنافس في الانتخابات القادمة للبرلمان. في بيانه، الاثنين الماضي، في الوقت الذي كان يختنق فيه بالدموع وبصوت متحشرج، شكر كل من رافقه في طريقه وساعده، وطلب من كل "عائلة المستقبل" – حزبه – التصرف مثله".
واعتبرت الصحيفة الاسرائيلية بان "الإعلان لم يفاجئ المقربين منه، لقد سبق وعرفوا نيته قبل أسابيع من ذلك. "لقد فهمت أن ليس أمام لبنان أي فرصة إيجابية، على خلفية نفوذ إيران والتخبطات الدولية والانقسام الوطني والطائفي الذي يمزق الدولة"، شرح الحريري قراره. الحريري الذي شغل رئاسة الحكومة ثلاث مرات، هو شخص محبط، وثمة خلافات عميقة بينه وبين الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل حول تشكيل الحكومة التي تم تعيينه لتشكيلها، وبسبب تآكل عميق في نفوذه، والغيمة التي تحلق فوقه جراء انفجار ميناء بيروت في آب 2020 – كل هذه جزء من الأسباب التي دفعته للاستقالة، هذا إلى جانب حزبه الذي لديه 13 مقعداً في البرلمان المكون من 128 مقعداً، الذي يعتبر هو الزعيم السياسي الرئيسي للطائفة السنية في لبنان".
واوضحت بانه "ثمة تخوف يحوم فوق الحريري عند استقالته، لأن الناخبين والمرشحين السنيين قد يقاطعون الانتخابات، وبهذا ينزعون الشرعية عن كل برلمان وحكومة ستشكل بعدها. في المقابل، اختيار الحريري لمفهوم "تعليق" يبقي ثغرة لعودته إلى السياسة كما سبق وفعل من قبل. كما يمكن للسنة الذين لا يشكلون جسماً واحداً أن يجدوا له بديلاً – المرشح الذي يدور الحديث عنه الآن هو شقيقه من والده ورجل الأعمال بهاء الحريري. قال شقيقه هذا الأسبوع، بأن استقالة الحريري "ليست أمراً محزناً" لأنها تفتح الباب أمام التجدد وتعزيز الصفوف".
ولفتت الى ان "أهم المشكلات هي أن الحرج والاضطرابات السياسية التي خلقتها استقالته، تزيد من تعقيد اتخاذ القرارات الضرورية لإنهاء الأزمة في لبنان. كما أنها تشكك أيضاً في إمكانية إجراء الانتخابات، ويقترب لبنان من وضع يكون فيه كهرباء، لكن لا شيء فيه يضاء".