تسلّموا الحكمَ، لـمْ نسلَمْ ولا سلَموا ما عـادَ ينفـعُ لا لـومٌ ولا نـدَمُ
لكنْ، لَنا وطـنٌ مَـنْ ذا يعودُ بـهِ كمثلِ ما كانَ فيهِ قبلَ أنْ حكَموا
ج. هـ.
حكموا... ولبنان كان بسبب آثـام الحكّام مصاباً بكثير من العِلل، ولكنّه لم يفقدْ علَّـةَ وجودهِ في قائمة الأمـم، ولـمْ يفقد الشعبُ علّـةَ وجوده فيهِ، وعلّـةَ وجوده في الحياة.
كان الوطن مريضاً، وكان للمريض مستشفى وفي الصيدليات دواء، وكانت دورة الحياة فيه على صورةِ المجتمع البشري: المعاهد تستقبل الطلاب، والفنادق تستقبل السيَّاح، والمطاعم تستقبل الزبائن، والمصارف تحفظ الودائع، ولم يكن قطـعُ أرزاق المتجر والمصنع والمشغل أشبه بقطع الأعناق.
كان في لبنان سلبٌ ونهبٌ وفساد، ولم يكـن فقـرٌ وجـوعٌ وبؤسٌ ويأس، ولم تكن الأم تبيع ما ادّخرتْ من حِلـىً ومَصاغِ الزواج من أجل شراء علبة حليبٍ لطفل وربطة خبـز لعائلة، والشباب الذي كان يفتّـش في جغرافية الأرض عن عمـل لـمْ يكن يفتش عن وطـن.
عندما يتساقط الهيكل: حجـراً فـوق حجـر، وحجراً فوق بشـر، وبشراً فـوق بشـر، لا يستطيع أيُّ مسؤول أن يبـرّيء نفسه من الذنوب والخطوب، وهو يقـف على الأطلال كمثل «أبي الهـول» فـوق رمـال النيل، لا يحـرّك ساكناً، ولا يحـرّك سلطةً، ولا يحرّك سطـوةً، ولا يحرّك رجليه في اتجاه الرحيل.
وأمام هـول «أبي الهول» نسمعهم يقولون: إعتصموا بالصمت والصبر ووقف الندْبِ على الجنازات، كأنَّ علينا أنْ ندفن الأموات جُثـثاً بلا أسماء.
حكموا ويحكمون ومثلهم يحكم اللاّحقون، وكيف يكون وطـن ودولة وجمهورية ونظام، إذا كان الولاء الوطني للطائفة، والطائفة حـزب الزعيم، والنظام نظام الزعيم، ونظام الزعيم يقوم على المحاصصة وتفريـغ الدولة من مؤسساتها، فتصبح الدولةُ دولةَ الزعيم الحاكم، ويصبح الحكم بلا دولة.
وكيف يكون الإصلاح والتغيير إذا كان الإصلاح لا يتـمّ إلاّ بتغيير الحاكم.
الوطن الغارق في الركام من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين هل تتحقّـق قيامته بالإنتخابات النيابية...؟ أوْ بالإنتخابات الرئاسية كأنّها تبشّرنا ببطلٍ تاريخي لم تلـدْهُ بعـدُ أمُّـه...؟
أوْ بمؤتمر تأسيسي يكون الزعماء فيهِ أصحاب القرار، وما الدواء بالّتي كانت هي الـداء إلاّ نـزوةُ خمرةٍ لعبتْ برأس أبي نواس...؟
أوْ ننتظر الملاك الحارس يهبط علينا منقذاً من الفضاء الخارجي كأنما دول الخارج بولس الرسول أوْ الإمام علي بـن أبي طالب يعطي ولا يأخذ، ويأخذ منك ليعطيك.
خلاصك بيدك، هكذا تقول تجارب التاريخ ، بتلك الأيدي التي امتدَّتْ ذات يـوم من أيـام «17 تشرين»، سواعدَ متعانقة، سلسلةً بشرية ملوَّنة بالأبيض والأحمرين من أقاصي الشمال إلى أقاصي الجنوب، تقتلع الإهتراء بالسلاح الأبيض، أو بالسلاح الأحمر، بانتفاضةٍ، بثورةٍ باردة، بثورة حامية سمِّـها ما شئت.
وإلاّ... «فعلى المـرء أنّ يعوّد نفسه على كل شيء حتى على الجحيم»، كما يقول مثلٌ روسي.