يولي «حزب الله» أهمية قصوى لرئاسة الجمهورية كونها الموقع الأول في الدولة وشريكة في السلطة التنفيذية، وتمنحه الغطاء المسيحي من الباب الدستوري، وذلك إلى جانب رئاسة مجلس النواب التي يعتبرها في كنف البيئة الشيعية التي يتقاسمها وحركة «أمل».
لم يتمكّن «حزب الله» من إمساك المؤسسات الدستورية على غرار إمساك النظام السوري لها، ولكنه أيقن منذ اللحظة الأولى لخروج الجيش السوري من لبنان، انّ سلاحه غير كافٍ من دون غطاء رسمي، تماماً كوجود الجيش السوري الذي كان بأمسّ الحاجة للغطاء نفسه بمعادلة «شرعي وضروري ومؤقت».
وقد وضع «حزب الله» منذ وراثته الملف اللبناني عن النظام السوري أربعة أهداف أساسية:
الهدف الأوّل، تعطيل الأكثرية الحكومية، الأمر الذي حقّقه في اتفاق الدوحة، قطعاً للطريق على أي استخدام لهذه الأكثرية ضده في قرارات تراوحت من قبيل طلب الحكومة من مجلس الأمن إنشاء محكمة ذات طابع دولي، وصدور قراري وضع اليد على شبكة اتصالاته السلكية وإقالة قائد أمن المطار، وغيرها طبعاً من القرارات التي دفعته لاستخدام سلاحه، خشية من عدّ تراجعي يؤدي إلى صدور قرار بنزع سلاحه.
الهدف الثاني، انتزاع الأكثرية النيابية كي لا يضطر إلى إقفال مجلس النواب، ومن أجل ضمان الحصول على أكثرية حكومية يتحكّم من خلالها بالقرار الحكومي.
الهدف الثالث، تكليف رئيس حكومة موالٍ له، ولكن سرعان ما تراجع عن هذا الهدف، لعدم استفزاز الأكثرية السنّية، مفضّلاً سياسة ربط النزاع معها، خصوصاً انّ هذه الأكثرية ليست في وارد القطع معه، ونجح التعايش معها منذ الحكومة الأخيرة في عهد الرئيس ميشال سليمان.
الهدف الرابع، ان يكون رئيس الجمهورية موالياً ومؤيّداً لسياساته، وأهمية هذا الموقع بالنسبة للحزب يعود إلى ثلاثة أسباب أساسية:
السبب الأول، كون رئاسة الجمهورية تشكّل غطاء عملياً ومعنوياً كبيراً، انطلاقاً من دورها الوطني وتأثيرها وشبكة علاقاتها الخارجية، وبالتالي الفارق كبير جداً بين ان يكون الرئيس الأول مع سلاح «حزب الله» أو ضده.
السبب الثاني، كون رئيس الجمهورية شريك في السلطة التنفيذية التي مارس الحزب كل ضغوطه، إما لتعطيلها وإما للإمساك بقرارها عن طريق الثلث المعطّل او الأكثرية، وإما بإصراره على حقيبة المالية والتوقيع الثالث، وإما في ظل خشيته من ان يكون رئيسا الجمهورية والحكومة ضدّه انطلاقاً من الواقع السنّي على إثر اغتيال الشهيد رفيق الحريري من جهة، والعمق السعودي من جهة أخرى، وبالتالي طالما انّه غير قادر على ضمان موقع الرئاسة الثالثة ربطاً بالواقعين السنّي والسعودي، فإنّه بحاجة لأن يضمن موقع الرئاسة الأولى.
السبب الثالث، كون الرئاسة الأولى تمثِّل، إلى جانب دورها الدستوري وتأثيرها الوطني، الغطاء المسيحي من الباب الرسمي للحزب، إلى جانب الغطاء الذي يستحوذ عليه من الباب النيابي والحزبي.
وانطلاقاً من كل ذلك، فإنّ الانتخابات الرئاسية تشكّل أولوية لدى «حزب الله» لثلاثة اعتبارات أساسية:
الاعتبار الأول، لاعتقاده بقدرته على تعطيل أي أكثرية نيابية في حال خسر أكثريته، ولن يتساهل معها وسيحول دون ترجمة أكثريتها حكومياً، من خلال تلطّيه بالديموقراطية التوافقية ربطاً باحتجازه التمثيل الشيعي، وبالتالي اعتقاده يتراوح بين احتفاظه بالأكثرية، وبين تعطيلها، خصوصاً انّ اي حكومة بحاجة لتوقيع رئيس الجمهورية، وحليفه ما زال في بعبدا ولن يوقِّع على اي تشكيلة لا تتناسب مع توجّه الحزب الذي يراهن أيضاً على ضرب مومنتم الانتخابات عن طريق الفراغ الحكومي ومن ثمّ الرئاسي.
الاعتبار الثاني، لاعتقاده انّ الرئاسة الثالثة ليست في وارد مواجهته على غرار حكومتي الرئيس فؤاد السنيورة بين عامي 2005 و2009، وبالتالي يجد نفسه منذ العام 2014 في تبريد سياسي مع الرئاسة الثالثة، يتناسب مع وضعه، ولا يخشى اي تغيير على هذا المستوى في المدى المنظور.
الاعتبار الثالث، لاعتقاده انّ تراجع حليفه المسيحي سيحوِّل التحدّي الأساسي أمامه إلى مسيحي بامتياز في ظل، حتى إشعار آخر، تبريد سنّي وانكفاء درزي، الأمر الذي يجعل معركته مع البيئة المسيحية الخصمة له وفي طليعتها «القوات اللبنانية»، والتي سيواجهها من خلال ثلاثة مسارات أساسية:
المسار الأول، تشكيل رافعة نيابية لـ»التيار الوطني الحر» من أجل ان يحافظ على صدارة حجم تكتله النيابي، وتراجع التيار عن السقف الانتقادي المرتفع ضد الحزب، الذي كان استهلّه رئيس الجمهورية واستكمله النائب جبران باسيل، يؤشر إلى وصول الطرفين لاتفاق على ثلاث نقاط أساسية: دعم الحزب للتيار في كل الدوائر التي للأول القدرة على التأثير داخلها وهي عديدة، الاتفاق على التمايز تحت سقف تحالفهما وبطلب من التيار، من أجل تسهيل معركته شعبياً لدى المسيحيين وديبلوماسياً مع عواصم القرار، والنقطة الثالثة فتح النقاش في الاستحقاق الرئاسي بعد الانتخابات النيابية لا قبلها، ومع تعهُّد بأخذ وجهة نظر التيار في الاعتبار.
المسار الثاني، منع وصول رئيس للجمهورية في موقع الخصومة للحزب، وتجنُّب تحويل المعركة الرئاسية إلى معركة داخل بيت الحزب وحلفائه. وفي هذا السياق تتحدّث معلومات عن صيغة بدأ «حزب الله» بتلمُّس ردود فعل حليفه عليها، وهي استبعاد دعم ترشيح باسيل لموقع الرئاسة الأولى لعدم القدرة على تبنّي خصوماته، ولكن مع ترييحه بتبنّي من يختاره، بمعنى وضع مفتاح بعبدا بيده على قاعدة اختيار الشخصية التي يمكن تسويقها وتشكّل الضمانة للحزب في رئاسة الجمهورية.
المسار الثالث، إضعاف الجسم المسيحي الخصم لـ»حزب الله» وتحديداً «القوات اللبنانية»، ليس فقط عن طريق تعزيز مكانة «التيار الحر»، إنما من خلال محاولة محاصرته انتخابياً، والحؤول دون خروجه بفوز باهر، ومنع تمدّده وطنياً منعاً لتشكيل حالة وطنية على غرار حالة 14 آذار بحلّة جديدة ونفس جديد.
وفي خضّم كل هذا المشهد، فإنّ عين «حزب الله» منذ الآن على رئاسة الجمهورية، وسيحاول تجنيب هذا الموقع الفراغ، من أجل ان يضمن رئاسة لولاية جديدة، تواصل توفير الغطاء الرسمي والمسيحي له في مرحلة داخلية (انهيار وغضب شعبي) وخارجية (مفاوضات نووية ووحدة موقف خليجي ضد الدور الإيراني)، هو أحوج ما يكون فيها للتلطّي بعباءة الدولة، من أجل ان يحافظ على سلاحه ويحتفظ بدوره ويجنِّب نفسه المواجهة من داخل المؤسسات.