مدهشة هذه السلطة التي على ما يبدو انها تعيش في كوكب اخر ، وما يزيد الدهشة ، استمرار هذه السلطة بسياسة المكابرة والمعاندة ، على الرغم من مسلسل الازمات المتلاحقة وعلى كافة الصعد الاقتصادية والمالية والاجتماعية ،واصبح المواطن اسيراً بين مطرقة الغلاء الفاحش حيث لم يعد بمقدوره تلبية احتياجاته الاساسية وسندان السلطة التي تمارس سياسة النعامة.
وليس الحوار الوطني الذي دعا إليه رئيس الجمهوريّة سوى سقطة أخرى من مسلسل سقطات هذه السلطة. مَن يحاور مَن ومن أجل ماذا الحوار فيما البلد اصبح قاب قوسين وادنى من تصنيفه دولة فاشلة أي سقوط الهيكل على رؤوس الجميع .
هل يمكن التحاور بين اللبنانيين في ظلّ الهوّة القائمة بين مَن يفرض رأيه بقوة السلاح من جهة وبين من يدعو إلى اعتماد المنطق والتقيّد بالدستور والقوانين وقرارات الشرعية الدوليّة من جهة أخرى.
تعني لغة المنطق طرح أسئلة من نوع أيّ مستقبل للبنان في ظلّ عزلته العربيّة والدولية وحال الانهيار التامّ التي يعاني منها. سقط الحوار الوطني قبل أن يبدأ، لا لشيء إلّا لأنّ الداعي إلى الحوار طرف وليس حَكَماً بين اللبنانيين. فشل رئيس الجمهورية في دعوة الأطراف اللبنانيين إلى طاولة حوار في بعبدا، ولم يلاقيه إلّا بعض حلفائه المقربين، في حين أعلنت غالبية القيادات عدم حماستها للمشاركة في طاولة حوار واضحة المعالم والنتائج.
لن ينعكس الحوار انفراجاً في السياسة، لأن ثمّة يقين أن المشكلة تكمن في مكان آخر، بين التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي الذي يحتجز الحكومة رهن تحقيقات انفجار مرفأ بيروت
يعلم عون أن الحل لن يخرج من الطاولة المذكورة، بل أنّه من الأجدى استبدال هذه الحوارات بلقاءات مع الثنائي لمعالجة ملف تعطيل الحكومة. وأغلب الظن، إن دعوة عون انطلقت من نيته رمي كرة المسؤولية وفشل العهد في ملعبالاخرين بغض النظر عن مشاركتهم في الحوار من عدمها، وهذا ما أثبته بيان رئاسة الجمهورية الذي اتهم فيه المقاطعين بالتعطيل .
وما التاريخ الا خير شاهد، وإنطلاقاً من مسألة نجاح الحوار أو فشله، يمكن العودة إلى حوارات وطنية سبق أن جمعت قادة سياسيين على طاولة واحدة، كان على مائدتها شتى العناوين المتعلقة بالسياسة والأمن والاقتصاد. أبرز هذه اللقاءات في حقبة لبنان الجديد، بعد الانسحاب السوري، كان الحوار الذي رعاه الرئيس بري حول الاسترتيجية الدفاعية في 2006، كما وحوار الدوحة 2008، إضافة إلى حوارات بعبدا التي دعا إليها رئيس الجمهورية ميشال سليمان .
دعا حينها بري إلى جلسات حوار وطني، جمع فيها أبرز القادة السياسيين ، لكن الحوار لم يحل أي من الملفات الخلافية آنذاك، التي بقيت عالقة وفاقمت أزمة الحكم، فعانى لبنان الفراغ الرئاسي بعد انتهاء ولاية كل من لحود وسليمان، كما لم يتفق المجتمعون على استراتيجية دفاعية، فبقي قرار سلاح حزب الله خارج الدولة .
أيضا من الضروري ، أن يدرك الشعب اللبناني أن الحديث عن ارتباط مشاكله بمشاكل إقليمية ودَولية وعن حلول خارجية ستهبط عليه بالمظلة في المستقبل القريب، هو عبارة عن أوهام غير صحيحة، وعن خدع مقصودة يراد منها إبقاء اللبنانيين في حالة خضوع دائمة، بعيدًا عن أي محاسبة للمسؤولين الحقيقيين عن مشكلات لبنان وشعبه.
في المحصلة ، ليس أمام اللبنانيين سوى التركيز في كلّ يوم على أساس المشكلة التي يعاني منها بلدهم والتي أوصلتهم إلى كلّ هذا الانهيار. أساس المشكلة يكمن بشكل اساسي في الخروج عن الدستور .
مثلما أن طاولات الحوار لم تترجم ما تم التوافق عليه كذلك انتخابات 2005 و2009، وليس ما يشير إلى أن مثل هذه الانتخابات ستعني لهذه السلطة شيئاً في 2022، هذا إذا جرت مثل هذه الانتخابات في موعدها المحدد خصوصاً بأن لبنان حولته هذه السلطة ليكون ساحة لتبادل الرسائل الإقليمية، على وقع مفاوضات من المفترض أن تحسم نتائجها في وقت قريب وللحديث صلة .