تتناثر فضائح الفساد وهدر المال العام عند حكام لبنان، وتفوح روائحها لتزكم الأنوف وتقشعر لها الأبدان، في هذه الأيام الحالكة انتشرت الفضائح من وزارة الخارجية، لا يقلُّ راتب أيّ سفير في دولة أوروبية أو عربية عن خمسٍ وعشرين ألف دولار شهرياً، ( سفير لبنان في سوريا يتقاضى سبع وعشرين ألف دولار شهرياً)، في حين أن راتب أيّ قاضٍ أو أستاذ جامعي أو مدير عام، أو عميد في الأسلاك العسكرية لا يتجاوز مائتي دولار شهرياً، أي أنّ سعادة السفير يبلغ راتبه الشهري راتب قاضٍ أو أستاذ جامعي أو مدير عام لعشرة أعوام كاملة.
قبل ثورة السابع عشر من تشرين الأول عام ٢٠١٩، دخل وزير الخارجية جبران باسيل(صهر الرئيس ورئيس التيار الوطني الحر) صالون الشرف في مطار هيثرو في لندن ساعةّ من الزمن، ليُنفق عشرة ألاف دولار، دون أن يرفّ له جفن، أو يؤنّبهُ ضمير، وما لبث عمّه(رئيس الجمهورية)، أن بدّد أكثر من مليوني دولار أمريكي عندما اصطحب عائلته كاملةّ مع الأحفاد والأصحاب والمرافقين والإعلاميّين والحرّاس الأمنيين، للمشاركة في اجتماعات الهيئة العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وكانت سفيرة سابقة في لندن قد ضاقت ذرعاً بالإقامة في مقرّ السفارة اللبنانية، فاستأجرت فيللا بثروة تقدر بأكثر من سبعمائة ألف دولار سنوياً، ورغم إحالة سعادتها على التقاعد منذ أكثر من عشرسنوات، ما زالت الفيللا مُستأجرة، أبنية تُستأجر داخل البلاد بأرقام خيالية، تفوح منها روائح السمسرات، واراضي الدولة سايبة، بدل البناء عليها واستغلالها، رئيس الجامعة اللبنانية السابق، ترصد له بدل أتعاب سفر لأكثر من جهة وبلد في نفس اليوم والشهر والسّنة، ويوافق مجلس الوزراء على "العميانة"، ذلك أن لا أحد يقرأ أو يُدقّق، سيارات رسمية بالآلاف مُجهّزة بعناصرها ومحروقاتها، موضوعة بتصرف كبار المسؤولين والضباط والقضاة، جمعيات خيرية و مؤسسات اجتماعية وهمية تدّعي الخدمات العامة المجانية، ولا تتوخّى الربح، تعود ميزانياتها لصالح النافذين والمسؤولين الذين أسندوا شؤون هذه الجمعيات لزوجاتهم وأبنائهم، وأتباعهم ولربما لخليلاتهم، نوابٌ سابقون، تركوا الندوة البرلمانية لأسباب شتّى، باتوا في عداد المتقاعدين الذين يتقاضون معاشاً شهرياً، شأنهم شأن سائر الموظفين والعسكريين السابقين الذين أفنوا عمرهم في خدمة الدولة، مع أنّ معظم هؤلاء النواب المتقاعدين هم من أصحاب الأملاك والشركات والمؤسسات الإستثمارية، ومع ذلك على المواطنين اللبنانيين الصابرين أن يدفعوا لهم من جيوبهم الخاوية ملايين الدولارات.
هذا غيضٌ من فيض، حتى داهمت الجميع الأزمات الاقتصادية والمالية والسياسية والمعيشية والحياتية التي تعانيها البلاد هذه الأيام، ولا يملك اللبنانيون سوى الصبر على هؤلاء الحكام الذين وصفهم الله تعالى بقوله: أكّالون للسّحت، سمّاعون للكذب.