دولٌ ذاتُ قرار تدعو الى اجراء الانتخابات ووفود اجنبية عدة تشدّد على التغيير من خلالها، ومع ذلك ما فتئ بعض المحسوبين على السلطة و"المعارضات" يتحدثون عن امكانية الغائها والتشكيك بحصولها رغم بدء العد العكسي لاجرائها، بناء على حجج واهية تحاكي رغبات المنظومة ومصالح من يتحكم فيها لتصطدم بواقع مرير يكشف تخرّصاتها وزيف ادّعاءاتها. يروج لهذا التشكيك محللون تقمصوا دور خبراء استراتيجيين يعتمدون في قراءة الاحداث وتحليلها وتسويقها على اصحاب الخبرة من اهل التنجيم ومن له باع طويل في الشعوذة، ويساعدهم "هدوء" الناس الغريب لاستكانتهم في الجحيم وايمانهم بما يقدَّم لهم ليتناولوه ويتداولوه مُلاكًا مع ممجوة "ما خلونا"! والناس نوعان: منهم من يطلب الحقيقة كما يُعلن عنها من قبل احزاب السلطة وابواقها ونوع يطلب الحقيقة التي تم تعريفها بناء على تراكم معرفي وبحث عقلاني وتحليل واقعي.
يُسجّل للتسوية الرئاسية التي أتت بهذا العهد الفريد سنة 2016 نجاحًا غريبًا في دفع لبنان لتصدر قائمة الدول الفاشلة، الى ان جاءت العقوبات التي طالت الاذرع المالية لاطراف هذه "التسوية" والغاء مفاعيلها للحد من تداعياتها. فالمواقف الخارجية المعلنة تؤكد ان لبنان محكوم بتوازن اقليمي ودولي لا يستطيع احد في الداخل، مهما بلغ شأنه، الفكاك منه او تجاهله، خصوصا بعد استحضار "الاطراف المعاقبة" للتدخلات الخارجية والتدخل في شؤون الاخرين واقحام لبنان في اصطراعات المنطقة لحسابات اقليمية لاشأن له بها بدلًا من الالتزام بالحياد الايجابي والنأي بالنفس.
تستفيد المنظومة الحاكمة من هذه المشهدية لتعزيز واقع التفتّت و"الخَمْخَمَة" والاهتراء المستشري الذي يدعم سيطرتها ويساهم في رفع منسوب القلق والتوتر والارباك لدى الرأي العام، وتحويل الانتخابات الى عبثٍ سياسي تخاض فيه معاركُ دونكشوتية، وتُعرض فيه مسرحيات تافهة يعود ريعها الى من افتعلها وقادها ومثّلها، من نتائجها المباشرة تشويه عملية الانتخاب عبر خفض نسبة المشاركة واضعاف روح المنافسة، والسخرية من الناخب بتسعير صوته التفضيلي ببطاقة تمويلية كما لو أنّه لاجئ. وهي الطريقة المثلى والاقل عبئا والاكثر نجاعة في ضمان فوز اصنام السلطة وتجديد اوثانها، فالانسان هو الكائن الوحيد الذي يصنع التماثيل -خصوصا في لبنان-! وكأن العصر البابلي ينبعث من اعماق التاريخ في رماد العهد الحالي يظهر فيه ملوك الطوائف تواقين الى شيء منظور يمثل حضورهم مدعاة فخر مريديهم وناخبيهم، الذين لا ينقصهم الا الرقص عراة ابتهالا وسعادة وحبورا باطلالات ملوكهم، وهم في طريقهم الى ذلك اذا جددوا ثقتهم في "شركة التهجير" المساهمة في النقل من جهنم الى عصر ماقبل الوثنية. وهكذا يريدون تحويل ساعة المساءلة والمحاسبة الى يوم مشهود يمثل حضور الالهة، يجدد فيه الناخبون الولاء والبيعة.
واذا كانت اكثرية الناس تدرك ان المنظومة التي ينتخبونها فاسدة وتدفع بهم للرقص عراة فرحا بها، السؤال البديهي، وليس الساذج كما يتراءى، لماذا يوم الانتخاب لا يحاسب الناخبون نوابهم ويعاقبونهم بالاحجام عن انتخابهم مجددا!؟؟ الحكمة تقول: ان الناخب لا يلدغ من النائب ذاته مرتين. فهل النائب يعود تائبًا ليخدع الناخب؟!! ان اهمال الحق في المحاسبة نتيجة التقاعس والخوف من التغيير هو ضعف يضمن الفشل، ويتحول الى قوة سالبة تزداد مفاعيلها اذا ترافقت مع غباء مستحكم وجهل متحكّم، فالخوف والضعف والتقاعس اذا اجتمعوا مَلَكوا القدرة على تاويل الاحداث والاحاديث وتزييفها بقوة تتخطى قدرة المعرفة على كشف وتحليل اسباب الفشل.
ان الخروج من التدمير المنهجي الذي تنجزه المنظومة الحاكمة مجتمعة مناط بقوى "الحراك" مجتمعة، وحتى لا تتكرر "قصة الثور الابيض" رغم الاختلافات الشكلية او الفعلية التي تظهر بين قوى المجتمع المدني، المطلوب منهم خفض منسوب "الانا الخاصة" وتغليب المصلحة العامة ، اسوة بمواقف المنظومة التي تبادر الى التخلي عن "الانا العامة" وتغلب المصلحة الخاصة دون ابطاء او تسويف وتسارع الى التضامن فيما بينها عند اي خطر يهدد مصالحها، وقد برز هذا الموقف بشكل واضح خلال "ازمة" الرئيس سعد الحريري في السعودية. فالمبادىء لا تتجزأ.