في نظر البعض أن ما صدر عن المجلس الدستوري هو إشارة إيجابية للرغبة في إجراء الانتخابات النيابية من دون توترات تُذكر. فالمجلس فتح الباب لمَخرج على الطريقة اللبنانية، وانتزع الفتائل التي كانت ستفجِر الوضع السياسي لو تم الطعن بقانون الانتخاب. وإذ هزِم فريق العهد في مسألة اقتراع المغتربين، فإنه سيفوز على الأرجح بإجراء الانتخابات في موعدها الأساسي، في أيار.
وهناك من يعتبرإن القوى الدولية نجحت في تهديد منظومة السلطة في لبنان من مغبة تطيير الانتخابات، وفي التحذير من اعتبارها مارقة، إذا ارتكبت هذا الخطأ، لأنه سيقود إلى انعدام الاستقرار سياسياً ومالياً ونقدياً واجتماعياً، وحتى أمنياً. والتحذير الأميركي الأخير للبنان من اعتباره دولة فاشلة كان ذروة التهديدات .
القوى الدولية تراهن بقوة على الانتخابات النيابية لاعتقادها ان ذلك سيكون أداة التغيير الوحيدة المتاحة سياسياً، بعدما أظهرت الانتفاضة تعثّرها في تحقيق هذا الهدف. وفي المغزى السياسي، هي تريد رفع قبضة إيران عن القرار اللبناني، من خلال حزب الله. ويراهن بعض القوى الدولية على دور أساسي سيضطلع به المغتربون في هذا الشأن، لأسباب عدّة أبرزها
ان التركيبة السياسية لدى غالبية هؤلاء المغتربين بعيدة عن الحزب، خصوصاً في ما يتعلق بالبيئات غير الشيعية.
ان الاقتراع سيُجرى في منأى عن سيطرة الحزب الأمنية
ان حجم المقترعين قرابة ربع مليون لا يمكن إهماله، وهو كفيل بإحداث تغييرات ملموسة في العديد من الدوائر.
في أي حال، ومن باب المعلومات، وعلى رغم ما جرى في المجلس الدستوري، لم تنتزع قوى السلطة تماماً من خياراتها فكرة تطيير الانتخابات، إذا وجدت نفسها محشورة بها سياسياً. وهناك ذرائع وافرة جاهزة لتحقيق هذا الهدف، أولها فقدان التمويل وعجز كل من الدولة والناخب والمرشح عن القيام بالدور الواجب. وثانيها استشراء جائحة كورونا. وطبعاً، يبقى العامل الأمني قائماً دائماً وغب الطلب طبعاً وفي هذا الاطار تدور في الوسط احاديث نقلا عن مصادر أمنية عليا غربية أبدت مخاوفها الشديدة من احتمال انفجار وضع أمني في لبنان يعطي تبريراً لتأجيل الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في أيار المقبل.
وأكدت هذه المصادر أيضاً أن هناك سيناريو لهذا الحدث الأمني الذي يُنتظر أن يكون تبريراً رسمياً لتأجيل الانتخابات ، وجود اضطرابات أمنية داخلية في الشارع اللبناني تتخذ أشكالاً مسلحة، تمتد لفترة ما بين متوسطة وطويلة تبدأ تدريجياً من بداية العام الجديد وتتصاعد حتى اقتراب موعد الانتخابات،و في هذا السياق ، يتوقع البعض أن يبدي الجانب اللبناني مرونة في مفاوضات الناقورة، بحيث يقترب من الطرح الأميركي القائل بالإسراع في تقاسم مخزونات الغاز بين لبنان وإسرائيل، بوساطة واشنطن ورعاية الأمم المتحدة، على أن تدور بعد ذلك مفاوضات هادئة حول ترسيم الحدود البحرية .
الهدف هو حاجة لبنان إلى الإفراج عن المساعدات من صندوق النقد ومؤتمر سيدر. وكلام رياض سلامة عن حاجة لبنان إلى ما بين 12و15 مليار دولار هو بالضبط الرسالة التي تريد قوى السلطة توجيهَها إلى المجتمع الدولي. وهنا هي تحاول إجراء مقايضة ،نتجاوب مع مطالبكم بالإصلاح ونجري الانتخابات في موعدها، إذا سارعتم إلى إنقاذنا بالمال من الصندوق والبنك الدوليين والدول المانحة، الأجنبية والعربية. ونحن نتعهد لكم بتسهيل كل الإجراءات التي تحول دون أن يصبح لبنان بؤرة لزعزعة الاستقرار الإقليمي والدولي.
ولكن، ثمة خشية أن تمر هذه المناورة على القوى الدولية كما مرت أخرى. فقوى السلطة تمكنت من تطويع الرئيس الفرنسي بعد إنهاكه، ودفعته إلى التنازل والتعاطي معها مجدداً. وكذلك، جعلت غوتيريش يعترف بها
وكذلك قد تقوم قوى السلطة باستغلال الرغبة الدولية في الحفاظ على استقرار لبنان لتمارس الدلع أو الابتزاز بمليارات الدولارات. وبعد ذلك، يكون أمامها الوقت اللازم لتختار إذا كانت مصلحتها في إجراء الانتخابات أو في تطييرها. وفي أي حال، لن يكون أحد قادراً على محاسبتها .
الكلام المتداول في بعض الأوساط الدولية مفاده أن أي فرصة جديدة لن تعطى للبنان من دون مقابل، ولا في شكل متسرع. وعلى العكس، منظومة السلطة هي التي ستدفع أولاً، وبعد ذلك ستنظر القوى الدولية والجهات المانحة والخليجيون العرب في ما يمكن تقديمه من مساعدات. فزمن تسليف لبنان مجاناً وبلا حساب ولّى إلى غير رجعة .
تمارس القوى السياسية سياسة الهروب إلى الأمام. تكاد الأمور تفلت من بين أيديهم. لا قدرة على التحكم بمسار التطورات، فلا يصدر عنهم سوى تدابير خجولة للحفاظ على الاستقرار الهشّ، بغطاء دولي يخشى من الفوضى الشاملة التي قد تعقّد الوضع أكثر. ولهذا ليس بمقدور أي فريق أن يحسم طبيعة السيناريوهات المستقبلية، بما فيها حتمية إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، خصوصاً ان الأحداث تشي بأن أياً من هذه القوى لا يرغب في الخضوع لاختبار صناديق الاقتراع، أقلّه في المدى المنظور .