هل توافق اللبنانيون على إطلاق تسمية للتفجير النووي الذي وقع في مرفأ بيروت في الرابع من شهر آب عام ٢٠٢٠، فمنهم من رآه مجزرة، ومنهم من أطلق عليه: ملحمة أو مقتلة، وثمّة من يُفضّل استخدام تسمية ما حصل بالجريمة، إلاّ أنّ أقطاب المنظومة السياسية الفاسدة التي تحكم هذا البلد المنكوب، تُفضّل أن تذهب إلى توصيفه بالحادث العرَضي، الناتج عن بعض الأخطاء الظرفية، المترافقة مع بعض الإهمال غير المقصود، دون أن تنسى إضافة مسحة ضرورية تُنسب للقضاء والقدَر عادةً، وفي دولة "سايبة" متهالكة كانت تُدعى "الدولة اللبنانية" يديرها وليُّ أمر المسلمين الفقيه السيد حسن نصرالله، يسعى معظم المسؤولين فيها إلى طمس معالم جريمة تفجير مرفأ بيروت النووي، وتجهيل الفاعل وضياع حقوق أهالي الضحايا وآلاف المصابين، وتبرئة "المُقصّرين والمُهملين"، جرياً على مسارات العفو العام الذي يحكم النزاعات الأهلية الدموية في لبنان منذ أكثر من نصف قرنٍ من الزمن، وهكذا يُفترض، لا بل يُستحسن، أن يعمد ذوو الضحايا وآلاف المصابين إلى مسامحة القتَلة، الجزارين، اللّحامين، وأن يُساعدوا أولي الأمر النافذين في نسيان الحادث المروع والمؤلم، والإكتفاء بالتّرحم على أرواح الضحايا، وطلب الشفاء العاجل للمصابين، والوقوف على بوابة دار الموت المُشرّعة للّبنانيّين أجمعين، ويُهيلوا التراب على أضرحتهم، ويتركونهم ليرقدوا بسلام، وأن يكُفّ المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار عن مهمته المستحيلة في سَوق المجرمين، القتَلة، اللّحامين أمام قوس العدالة، وها هو أحد أولياء الضحايا، المدعو يوسف المولى يتقدم ( مع عددٍ من الأهالي المفجوعين) بطلب كفّ يد البيطار، ليّلاقي في ذلك الوزراء والنواب والمسؤولين الأمنيين المُدّعى عليهم في جريمة تفجير مرفأ بيروت النووي.
هذا التّصرّف من جانب المولى ورفاقه، يُفصح عن جريمة مُضاعفة بحقّ الضحايا وآلاف المصابين، ويكاد أن يختصر مسيرة الفساد ونهب المال العام والمحاصصات وضياع حقوق أهالي الضحايا وآلاف المصابين وعشرات آلاف المشردين من بيوتهم وأعمالهم، حتى بات البلد غارقٌ في ظلامٍ دامس، والأدهى من ذلك أنّنا وصلنا مع خطوة المواطن المولى إلى عمى القلوب، فضلاً عن عمى الأبصار.
قال الله تعالى: أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها، أو آذانٌ يسمعون بها، فإنّها لا تعمى الأبصار ولكنّها تعمى القلوب التي في الصدور.( سورة الحجّ، آية ٤٦).