أكّد وزير الصحّة العامّة فراس الأبيض، أنّ "الوضع في لبنان بالغ الصعوبة، ولدينا مشاكل متعدّدة من ماليّة واجتماعيّة ووبائيّة، والوضع السّياسي لا يساعدنا على السّير إلى الأمام"، مبيّنًا أنّ "في ظلّ هذا الوضع الصعب، فإنّه من المسؤوليّة أن نبحث عن كيفيّة التقدّم وعن طرق المساعدة. الإمكانات الحاليّة قد تشكّل عائقًا كبيرًا، ولكن ما من خيار آخر أمامنا إذا أردنا الحفاظ على البلد".
ولفت، في حديث إذاعي، إلى "أنّني عندما استلمت إدارة مستشفى بيروت الحكومي الجامعي، كان وضعه صعبًا للغاية، وكانت خسارته السنويّة قرابة 16 مليون دولار، إلى جانب اضرابات متكرّرة وعدم قبض الموظّفين لرواتبهم، إلى أن استطعنا مع الفريق إيقاف المستشفى "على رجليه"، وحتّى مع "كورونا" كان المستشفى الوحيد الّذي تحمّل مسؤوليّاته في هذا المجال".
وأوضح الأبيض أنّ "من موقعي الحالي، أرى أنّ هناك همّة ونيّة كبيرة لإعادة نهوض البلد، وهناك طريق لإعادة إصلاحه ليس سهلًا ويتطلّب تضحيات، ولكن عندي أمل بأنّه سيعود"، مشيرًا إلى أنّ "مرحلة اللّامبالاة الّتي يعيشها المواطن خصوصًا في موضوع "كورونا"، يمكن أن تنتهي عندما نقدّم له شيئًا لنعيد بناء الثّقة، فيدرك جيّدًا إلى أين نحن متّجهون ويشعر بالخطر. وعلينا الانتباه إلى الموضوع النفسي والاجتماعي".
ورأى أنّ "النّاس لا يمكن أن تتحمّل الإقفال العام، بسبب الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة والنّاس، فقد شبعت كلامًا ومسرحيّات إعلاميّة، وهي تريد أن تلمس شيئًا لكي تستمر". وعن كيفيّة مجابهة موجة "كورونا" والمتحوّر "أوميكرون" في ظلّ الأوضاع الراهنة، شرح أنّ "الفكرة من الإجراءات الّتي أعلنّا عنها أمس، هي حضّ النّاس على تلقّي اللّقاح، لأنّه يشكّل أحد وسائل الخلاص، و80% من الّذين يدخلون إلى المستشفيات هم من غير الملقّحين، ومن بينهم نسبة الوفيّات المرتفعة".
وذكر أنّ "إجراءات الأمس نصّت على الإقفال لغير الملقّحين حتّى بجرعة واحدة، أمّا بالنّسبة للملقّحين فيمكنهم أن يعيشوا حياتهم الطبيعيّة، وهذا الأمر ليس فقط في لبنان بل في كلّ بلدان العالم، حيث التّركيز على ضرورة اللقاح"، لافتًا إلى "أنّنا نتواصل مع المستشفيات لإيجاد الدّعم اللّازم لها، وإعادة فتح أقسام "كورونا" في بعضها، مع ما يرافق ذلك من تكاليف كبيرة على تلك المستشفيات في ظلّ الأوضاع الاقتصاديّة الراهنة".
وأعلن الأبيض "أنّنا سنستخدم جزءًا من قرض البنك الدولي لدعم حالات الاستشفاء، أي أنّ البنك الدولي سيدفع قرابة ضعفين ونصف عمّا تدفعه الوزارة لـ"كورونا" وغير "كورونا" من استشفاء عادي لمرضى وزارة الصحة العامة، بحيث لا يدفعون الفرق الّذي كانت تطالبهم به المستشفيات. وقد تمّ البدء بهذه الاتفاقيّة منذ يوم أمس"، مبيّنًا أنّ "هذا الطريق طويل ومتعرّج، لكنّنا نأمل أن ننجح في النهاية، لأنّنا شعب يريد الحياة، وأرى أنّ القدر سيكتب لنا الحياة".
وفسّر أنّ "الأموال من البنك الدولي هي قرض بقيمة 120 مليون دولار حصلنا عليه من قبل، ولكنّنا اليوم نوجّهه لحلّ مشاكلنا الآنيّة، ولا شكّ أنّنا استفدنا من السّياسات الّتي كانت متّبعة، لكنّها رتّبت علينا وعلى أولادنا ديونًا، ولقد استيقظنا من هذا الوهم لنبني بطريقة صحيحة، ولنؤمّن لأولادنا مستقبلًا أفضل في لبنان وليس في الخارج". وأكّد أنّ "على من يتولّى أيّ مسؤوليّة، أن يتحلّى برحابة الصدر، لذلك أحاول قدر الإمكان ألّا أدخل في مهاترات وأتفهّم وجع الناس، وأنا أوّل من يعترف بالخطأ في حال حصل، وأهمّ ما نقدّمه للمواطن هي الصراحة والشفافيّة، الّتي تشكّل مدخلًا للحلول في الأوقات الصعبة".
كما شدّد على أنّ "وضعنا المالي ليس كما السّابق، وأصبحنا أمام حقيقة جديدة، وللأسف تصحيح الوضع لا يجري بطريقة منظّمة، ويأتي على حساب الطرف الأضعف الّذي هو المريض والمواطن. لذلك، نحاول إعادة رسم هذه المعادلة لتخفيف هذا الأمر عن كاهل المواطن".
وعن رفع الدّعم عن الدواء، أوضح الأبيض أنّ "رفع الدّعم بدأ مع الحكومة السّابقة، وعندما تولّيت الوزارة كان الوضع سيّئًا، وكان علينا تصحيحه، لذلك حصل اتفاق مع مصرف لبنان على دعم بقيمة 35 مليون دولار، وكانت الأولويّة للأدوية السرطانيّة والمستعصية الّتي ما زالت مدعومة بالكامل، كما استمرّينا بدعم الأدوية المزمنة ولكن بنسبة أقل؛ والمشكلة الأساسيّة هي بارتفاع سعر صرف الدولار. لذلك، كانت وزارة الصحة أمام حلّ من جزأين، دعم مراكز الرعاية الأوليّة، وتوزيع الأدوية مجّانًا على النّاس".
وأكّد أنّ "المقيمين من غير اللّبنانيّين يمكن أن يستفيدوا، ولكن هؤلاء لهم مستوصفاتهم الّتي أنشأتها لهم الأمم المتحدة، إضافةً إلى أنّ كلّ الأدوية والمساعدات الّتي تصلنا بمعظمها من الاتحاد الأوروبي، ولذلك لا يمكننا أن نقول للمانح أنا لا أريد تقديم الدواء لهؤلاء النازحين". وذكر "أنّنا عندما نراقب من يستفيد من الأدوية في مراكز الرعاية الأوليّة، يكون فوق 85% من الشعب اللبناني، خصوصًا في الفترة الأخيرة حيث تأتي النّسبة الأكبر منه إلى مراكز الرعاية، ولذلك إن خفّض الدعم، بجزء منه، كان من أجل الحصول على الأدوية، وقد بدأت تصل". وركّز على أنّه "ليس صحيحًا كلّ ما كان يُقال، إنّ معظم الأدوية موجودة ولكنّها مخزّنة. نحن نسير في طريق من أجل مساعدة المواطن".
وبموضوع الرواتب، أفاد بأنّ "على الدولة اللبنانية واجب تجاه مواطنيها، وقد اتّخذت قرارات في اللّجان الوزاريّة تجاه العاملين في الإدارات الحكوميّة أو في أيّ مرفق عام، لأنّ هؤلاء الأكثر مظلوميّة اليوم. ففي كثير من القطاعات الخاصّة، تمّ رفع معدّل الرواتب، بينما ذلك لم يحدث في الإدارات العامّة، والقرار الّذي اتّخذ في اللّجان الوزاريّة بدفع نصف راتب وزيادة النقل، يحتاج إلى اقراره في مجلس الوزراء، لكن المجلس لا يجتمع".
إلى ذلك، أعلن وزير الصحّة أنّ "مراكز الرعاية مفتوحة أمام النّاس، وهي تحت رعاية وزارة الصحّة ومراقبتها، والمستشفيات الحكومية مجّانيّة وهي لكلّ النّاس، وعددها 30 مستشفى حكوميًّا، وهو عدد غير قليل، إضافةً إلى تعاقد وزارة الصحّة مع عدد من المستشفيات الخاصة، ولكن الموضوع المهمّ بالنسبة لنا هو التغطية الصحيّة الشّاملة، وهي إحدى حقوق المواطن، عندما يشعر بالمرض يجد الطبابة المجّانيّة الشّاملة؛ وتأخذ مقابلها الدولة من المواطن ضرائب أو مساهمات من أجل تمويل هذه التّغطية الشّاملة".
وكشف "أنّنا نعمل على إنشاء منصّة للدواء منذ خمسة أسابيع وصرنا متقدّمين جدًّا، وخلال أسبوع ننتهي من هذه المهمّة. لقد أطلقنا المرحلة الأولى الخاصّة بأدوية السرطان والأمراض المستعصية، وكان التدريب عليها في مستشفى بيروت الحكومي يوم الجمعة الماضي، والمرحلة الثّانية بعد الانتهاء من المستشفيات سننتقل إلى الصيدليات، وعندها نستطيع ضمان توفير الدواء دون تهريب أو تخزين".
ولفت إلى "أنّنا عندما خفّفنا الدعم، قلنا إنّه بسبب غياب التمويل. ونحن موعودون بأن تقوم الحكومة ولجنة الصحة النيابية بمحاولة تأمين التمويل، وعند ذلك سيعود الدّعم، وسيتوفّر عندها الدواء دون الخوف من التهريب أو التخزين. ولكن الشرط الأساسي لوزارة الصحّة هو تأمين التمويل"، مشدّدًا على أنّ "توافر الدواء أمر أساسي، خصوصًا إذا أردنا محاربة السوق السوداء".
وأكّد الأبيض أنّ "الكثير من لقاحات الأطفال لم تنقطع خصوصًا في مراكز الرّعاية. علينا أن نغيّر نظرتنا، فليس معيبًا الذّهاب إلى مراكز الرّعاية، فالّذين يعملون فيها أشخاص محترمون، وليس من العيب الذّهاب إليها والحصول على الأدوية منها. وإذا حصل أيّ أمر غير لائق في أيّ مركز، نقوم بالتّصحيح".
كما أشار إلى "أنّني زرت الجامعة اللبنانية، الّتي أوجّه تحية كبيرة لها ولرئيسها البروفسور بسام بدران، لأنّهم يقومون بعمل جبّار في مختبرات الجامعة، علمًا أنّه حتّى الآن لا يوجد المتحور الجديد (أوميكرون) في لبنان، وأنا أؤكّد للجميع أنّه إذا لا سمح الله وصل هذا المتحوّر، فسنكون شفّافين للغاية في هذا الموضوع، ونحن نرى أنّه ينتشر وصار موجودًا في كثير من دول العالم".
وعن وضع المدارس في ظلّ جائحة "كورونا"، بيّن أنّ "الخيار كان عدم إقفال المدارس، ومن أجل ذلك نحن بحاجة إلى نسبة تلقيح مرتفعة. نحن نتابع مع وزارة التربية والتعليم العالي أسباب تدنّي نسبة التّسجيل لتلقّي اللقاح، ونعمل على تنشيط هذا الموضوع بالتّنسيق مع المدارس، وسنستغلّ فرصة العيد لتلقيح التلامذة كي لا نخسر العام الدراسي؛ لذلك وضعنا هذه الخطة لزيادة التلقيح والتشدّد بالإجراءات الوقائيّة في المدارس".
وأفاد الأبيض بأنّ "80 بالمئة من الإصابات هي لغير الملقّحين، وإذا وصلنا إلى أرقام مرتفعة أكثر من القدرة الاستيعابيّة للمستشفيات، فلكلّ حادث حديث، وإذا كنّا لا نريد إقفال البلد، فعلينا التشدّد في الإجراءات خصوصًا مع غير الملقّحين".