كلما تُصغي غالبية اللبنانيين الى خطاب يتلوه الأمين العام لـ"حزب الله"، ينتابهم شعور من الحزن والبؤس المصحوب بعوارض الكآبة والقلق على حال لبنان ومصيره ومستقبله. فخطب السيد حسن نصرالله لا تخلو بمعظمها من تعابير العنف ورائحة الموت والدم عبر سرده لوقائع المعارك وتعداده لأسماء الشهداء والجرحى من "حزب الله" الذين سقطوا في جبهات القتال على امتداد مساحة لبنان وسوريا والعراق وصولا الى محافظة مأرب في اليمن.
كما يعطينا السيد نصرالله انطباعا بأن الإدارة الأميركية في حال من الوهن والقلق نتيجة تعاظم قدرات ايران. الا أن مؤسسة GFP المتخصصة بتصنيف القوة العسكرية للدول تضع الجيش الايراني في المرتبة 14 في حين تأتي أميركا في الدرجة الأولى بين جيوش العالم. حتى إسرائيل التي يأتي جيشها في المرتبة 20 كقوة عسكرية تملك ما بين 75 الى 400 رأس نووي مجهزة للدفاع عن أراضيها، في حال جازف قادة "حزب الله" بفتح معركة الجليل!
هذا من الناحية العسكرية، أما من المنظور الاقتصادي فان دخل المواطن الأميركي السنوي للعام 2020 يقدّر بـ 60 ألف دولار، بينما في إيران 12 ألفا مقابل 38 ألفا في اسرائيل. كما ان قيمة الصادرات الأميركية الى العالم تقدر بتريليونَي دولار، بينما في إيران 101 بليون مقابل 113 بليونا في اسرائيل. فعن أية إيران قوية يحدثنا السيد نصرالله في كل خطبه؟
بعدما أنجز "حزب الله" إعداد وتدريب وتسليح مئة ألف مقاتل من أبناء المجتمع الشيعي بغية الدفاع عن أرض الجنوب، لم يتوانَ عن توجيه سلاحه نحو شركائه في الوطن زارعا بذور العداوة والريبة داخل المجتمع اللبناني. كذلك عمد الحزب الى نشر ثقافة العنف والتحدي واشعال النزاعات مستخدما حليفه التيار العوني بغية الإمساك بالقرار السياسي، مما دفع اللبنانيين الى تقبّل فكرة الفيديرالية او مشروع تقسيم لبنان الى كيانات طائفية ومذهبية تلافيا للعودة الى تجربة الحرب الأهلية واراقة المزيد من الدماء، لا خشية من سلاح الحزب كما يتراءى لقادته.
انظروا الى العاصمة بيروت كيف يلفّها الظلام ويغمر أهلها اليأس والقنوط. فبات سكان "أمّ الشرائع" و"سويسرا الشرق" يطمحون الى ساعتين اضافيتين من الكهرباء أو يحلمون بتعبئة خزانات وقود سياراتهم ببعض الليترات أو الحصول على حفنة من الأدوية من احدى الصيدليات، حتى أصبح 82% من اللبنانيين يعيشون على خط الفقر المتوقع ان يصيب اجيالهم القادمة. لقد تحوّل لبنان بفضل سلوك الحزب العدائي من وطن للسلام وللازدهار وللحضارة الى وطن للتناحر وللعوز وللكآبة!
في المقابل، أرسلت دولة الامارات العربية "مسبار الأمل" لاستكشاف الفضاء ولدراسة المناخ في كوكب المريخ لتصنّف كدولة في المرتبة الخامسة عالميا، ناهيك عن نجاحها في انشاء "وزارة السعادة" لتوفير الرخاء والرفاهية والاستقرار لشعبها والمقيمين على ارضها، إضافة الى ابتكارها منصب وزير دولة للتسامح، لترسيخ مفاهيم المحبة والسلام كقيمة أساسية في مجتمع الامارات. فهل نُسقط عروبة الرخاء والتسامح لأجل عدائية إيران وحروبها اللامتناهية؟
أما في لبنان فبعد نجاح قادة "حزب الله" في غزوهم لبيروت الغربية ولمنطقة الجبل بقوة السلاح في العام 2008 أرسلوا مناصريهم في العام 2021 الى بيروت الشرقية لاستكشاف فضاء "عين الرمانة" ومدى ارتعاب المجتمع المسيحي وجهوزيته للخضوع أمام صيحات "شيعة، شيعة" الاستفزازية. وحدها "القوات اللبنانية" قالت بجرأة "لا" من قلب "عين الرمانة" لأكثر من مئة ألف مقاتل مدرب ومدجج بالسلاح من "حزب الله" وحليفته حركة "أمل". فأمسى اللبنانيون يخشون على مصير قائد "القوات اللبنانية" سمير جعجع، حتى لا يكون مماثلا لمصير الشهيد الرئيس رفيق الحريري!
نأبى أن يتحول وطننا الى معتقل شبيه بـ"معتقل أنصار" الذي أقامته إسرائيل في جنوب لبنان لإخضاع المجتمع الشيعي وتطويعه واعتقال مقاوميه. شباب شيعي لم يتعلم من تجربته النضالية بأن المقاومة تولد من رحم القهر والقمع والاضطهاد، فمضى رافعا قبضاته لترهيب شركائه في الوطن من دون احتسابه لعواقب انفجار غضبهم. فلماذا يريد قسم من شباب الشيعة بسلوكهم المتهوّر تهديم لبنان وتحويله الى ساحات للمعارك وميادين للحروب كما هي الحال في اليمن؟ ومن أين يتغذى هؤلاء الشباب بثقافة العنف والتحدي؟ اليس لديهم من مرشد حكيم ينبئهم بأن النازية سقطت والفاشية اندثرت وبأن الحرية انتصرت، وانه لولا تَدخل الجيش الروسي بسلاحه الجوي وترسانته العسكرية الضخمة لم يكن ليصمد نظام الأسد أسبوعا واحدا، بالرغم من مؤازرة "حزب الله" الميدانية؟
لا يحق لقادة "حزب الله" توجيه الاهانات لقادة المملكة العربية السعودية او لأي من دول الخليج لإقصاء لبنان عن محيطة العربي حتى يختنق الشعب ويموت الوطن. فبمجرد مقارنة الدخل السنوي للفرد في السعودية الذي يقدر بـ 44 ألف دولار مع الدخل السنوي للفرد في إيران الذي لا يتخطى 12 ألف دولار، يتضح لنا أن إيران لا تملك الإمكانات ولا الحلول الاقتصادية ولن تكون البديل من هوية لبنان العربية. لذا ترفض غالبية اللبنانيين دخول المعتقل الايراني البائس، بل انهم سيقاومون الهيمنة الإيرانية كما قاومها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ومعه المجتمع العراقي!
اسمعوا صوت الشعب العراقي كيف قال "لا" لإيران في صناديق الاقتراع. شعوب عربية تبحث عن الحرية وتتعطش للديموقراطية، لا عن حاكم يطلق لحيته ثم يدعي أنه أتى بأمر من عند الله ليعيدها الى زمن الجاهلية، أو لربما عن جنرال معتوه أو دموي يتلذذ بقهر الشعوب ببراميل النيترات وبالطائرات المسيّرة وبالكواتم الصوتية، بعد تلويحه دجلا براية تحرير فلسطين!
بالرغم من اننا نثمن تشدد "حزب الله" وعدم تفريطه بحبة رمل او كوب ماء واحد من الحدود اللبنانية مع إسرائيل وتوعده باستخدام ترسانته العسكرية، فإننا نسألكم يا قادة "حزب الله": اين كانت ترسانتكم وقوة دماء شهدائكم طوال الاعوام الماضية حين كان حكام لبنان الفاسدون ينهبون ثرواته يوميا أمام أعينكم؟ ثم هل لكم ان تشرحوا لنا ما الفارق بين نهب لبناني ونهب إسرائيلي؟ وما الفارق أن يفجر التكفيريون مسجدا شيعيا آمنا في افغانستان او أن تتساقط البراميل المتفجرة على رؤوس أهالي المدن والقرى السنيّة الآمنة في سوريا؟ وما هو الفارق بين هذا الارهاب وذاك؟
سوريا يا سيد نصرالله التي تدعي انها صديقة للبنان لمجرد سماحها بمرور الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر أراضيها رغم الشتائم التي كانت تتلقاها طوال 15 عاما من اللبنانيين، نسألك بأمانة: أين كانت تلك الصداقة يوم كان جيشها يعامل الشعب اللبناني كجيش احتلال؟ هل علينا تذكير "حزب الله" بمجزرة "ثكنة فتح الله" في العام 1987 التي راح ضحيتها 22 من شبابه على ايدي القوات السورية، أم علينا نشر لوائح بأسماء المعتقلين اللبنانيين الذين مازالوا يتألمون في أقبية السجون السورية؟ هل علينا سرد أسماء مئات الذين تمت تصفيتهم إبان حقبة الاحتلال السوري للبنان، أم علينا اعادة مشهد مغادرة الجيش السوري مهرولا من لبنان بعد زحف ما يقارب المليون ونصف مليون مواطن الى ساحة الشهداء مطالبين بالحرية والسيادة والاستقلال؟ أليس من حقنا ان نسأل الآن: ماذا تبقّى من الوطن يا سيد نصرالله؟
هاني النصولي
*كاتب سياسي