اعتقدنا طويلًا بأنّ الجوع كفيلٌ بنزول الناس إلى الشوارع والثورة ضد الطبقة الفاسدة التي أكلت الأخضر واليابس. لكنّ الشعب اللبناني خيّب أملنا. فسعر صرف الدولار في أعلى مستوياته والرواتب صارت قريبةً من الصفر، ومع ذلك لم ينزل الشعب اللبناني إلى الشارع ولم يثر. فالكرتونة أو ما شابهها كانت جاهزةً لإسكات كلّ صوت. لقد تدبّر اللبناني أمره ونسي حتى أمواله المسروقة وتكيّف مع الجوع والإذلال والقهر وأقنع نفسَه بأنّ صبره بصيرةٌ وبعدُ نظر.
وعليه، لا بدّ من تضافر عنصرين أو عاملين من أجل الثورة:
١-الجوع الذي يطال غالبيّةً معتبرةً من الشعب. وليس من الضروري أن يقترن هذا الجوع بالوعي.
٢-الإحساس بالكرامة الإنسانيّة. وهذا الإحساس يصيب أوّلًا الفئة المتعلِّمة من الشعب التي تتلاقى مع الجموع الغفيرة على الثورة. غالبيةٌٌ جائعةٌ وإنْ لم تشعر بالكرامة إلّا قليلًا. وأقليّةٌ واعيةٌ أحسّت بالإذلال والقهر وفقدان الكرامة، فثارت ليس من أجل لقمة عيشها فقط، بل من أجل استعادة كرامتها أوّلًا.
إزاء ما نحن عليه، إمّا أنّ الشعب اللبناني لم يجُع بعدُ حيث إنّ الأحزاب سدَّت جوعه بما حصلت عليه من السلع المدعومة؛ وإمّا أنّ الشعب اللبناني ما زال لم يشعر بفقدان كرامته بما يكفي من أجل الثورة.
لقد فقد الشعب اللبناني مستقبله وأمواله، ومع ذلك تكيّف مع هذه الحال لأنّه زيّن لنفسه الحالة التي هو عليها. ويبدو أنّ الشعب اللبناني متعوِّدٌ على هدر الكرامة. فغالبيّته يتبع السفارات الأجنبيّة ويأكل من خيرها ويُدين بالولاء لها. وغالبيّة السكّان قبلوا بالوصاية السوريّة المهينة لعقودٍ بمن فيهم الطبقة السياسية التي قدّمت الغالي والنفيس والعرض للوصيّ السوري.
هل الشعب اللبناني لا يشعر بهدر كرامته؟
ربما هو كذلك! لذا، لم يثُر بعد! وعلينا الانتظار طويلًا حتى يتضافر الجوع مع الوعي فيولّدان ثورةً حقيقيّةً تغييريّةً وليس استبدالًا لوجوهٍ بأخرى. من هنا، علينا أن لا نتأمّل كثيرًا بالتغيير. فلا تغييرَ حقيقيًّا من دون الشعور بالكرامة والانتماء للوطن.