يزداد الخناق على لبنان، خصوصاً من بعض دول الخليج، فيما تضيق الخيارات السياسية وتنعدم الحلول والمبادرات، في ظلّ حال من المراوحة، يتخوّف كثير من الجهات السياسية أن تتحوّل فجأةً وفي أي لحظة بركاناً من الغضب الشعبي ينفجر في الشارع وتُطاول حممه لبنان بكامله ووجوده وكيانه. فالأزمات تستفحل والمواطن متروك لمصيره في ظلّ ارتفاع متواصل لسعر الدولار مقابل الليرة مع انعكاسه ارتفاعاً في المواد الاستهلاكية كافة. ولا حلّ أو بادرة حلّ في الأفق حتى الآن، إن لجهة استئناف اجتماعات مجلس الوزراء أو لجهة معالجة الأزمة مع دول الخليج، لا سيما منها السعودية. هذا كلّه يعتبر «حزب الله» أنّ هدفه محاصرته وتأليب الشعب اللبناني عليه، وبأدواتٍ داخلية برعاية إقليمية متمثلة تحديداً بالسعودية وأمر دولي صادر من واشنطن ببصمة إسرائيلية.
السعودية أعلنت بوضوح على لسان وزير خارجيتها، أنّ مشكلتها مع لبنان تكمن في «حزب الله» ومن خلفه إيران، فهو يطعنها في خاصرتها اليمنية ويفخخ أمنها المجتمعي برمانات المخدرات. هذا يسري أيضاً على دول خليجية أخرى. وبدلاً من محاولة إعادة عقارب الساعة الى ما وراء تصريح وزير الإعلام جورج قرداحي الذي فجّر هذه الأزمة، أقلّه، يبدو أنّ «حزب الله» اختار المواجهة ومستعد لأي إجراءات «عقابية جديدة»، إذ الى الأزمات النابعة من الداخل، يحمل كلّ يوم الى اللبناني إجراء خليجياً جديداً يُطاول لبنان أو اللبنانيين، ومن بينها ما ذكرته صحيفة «القبس» الكويتية أمس، عن تجميد تأشيرات دخول 100 أجنبي الى الكويت، ومعظم هؤلاء من اللبنانيين، وذلك لأنّهم موالون أو يدعمون «حزب الله» وبالتالي الإرهاب ما يُهدّد أمن الكويت.
ad
لا شك في أنّ الأزمات المتداخلة والمتناسلة باتت تفوق قدرة اللبناني، المقيم، أو المغترب خصوصاً في دول الخليج، على التحمُّل، ما يجعل اللبنانيين ناقمين على الطبقة السياسية، ومن بينها «حزب الله»، ويَعتبر جزء من الشعب اللبناني أنّ «حزب الله» سبب كلّ هذه الأزمات وأساسها، وبالتالي تزداد النقمة على «الحزب». وسبق أن تفجّرت هذه النقمة في شويا وخلدة وعين الرمانة، أي في البيئات الثلاث: الدرزية والسنية والمسيحية. وفي حين حصلت هذه الحوادث فُرادى وجرى احتواؤها وامتصاص تداعياتها، ترى جهات سياسية أنّ استفحال الأزمات خصوصاً الأزمة الأخيرة مع الخليج، قد تفجّر غضباً في وجه «حزب الله» يكون شاملاً وجامعاً ويصعب ان يُحتوى. في المقابل ترى جهات أخرى أنّ «حزب الله» هو الأكثر قدرة على التحمل وقادر على أن يكون فاعلاً اجتماعياً وخدماتياً، في بيئته خصوصاً، وعلى صعيد لبنان بكامله في بعض الحالات، وبالتالي إنّ محاصرته لن تنتج سوى مزيد من ممانعته وشدّ عصب جمهوره «المقاوم» والبيئة الشيعية انطلاقاً من استهدافه، بينما لبنان الدولة وبقية فئات المجتمع لن يكونوا قادرين على التحمل.
وعلى رغم كلّ الأزمات وتركيز الخطاب السياسي ضدّ «حزب الله»، ما زال «الحزب» بعيداً نسبياً من «دائرة الخطر» الداخلي، إذ لا أسُس لأي مواجهة داخلية معه. فأي تجمّع شعبي كبير في وجه «حزب الله» من الصعب في هذه المرحلة أن ينفجر من دون «إيعاز» أو قيادة سياسية، في حين أن ليس هناك أي جبهة سياسية أو تجمُّع أو ائتلاف سياسي معارض جدّي لـ»حزب الله»، إذ إنّ الأفرقاء المعارضين الأساسيين لـ»الحزب» والقادرين على الحشد الشعبي مبدئياً، «كلّ يغنّي على ليلاه»، فرئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري مشغول بترتيب أوضاعه الخاصة ولم يعلن موقفه بعد من خروجه من المعترك السياسي أو استمراره بما أمكن وتبقّى، كذلك لا يتخطى سقف مواجهة رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لـ»الحزب» المواقف عند الحاجة وما زال متمسكاً بالتسوية والتهدئة والحوار، فيما رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع يُؤثِر حتى الآن الدخول في لعبة الشارع، فضلاً عن المشكلات بين الأطراف الثلاثة وصعوبة التقائهم في جبهة واحدة.
ad
حتى خطورة الأزمة مع دول الخليج، مع انعكاسها على الجالية اللبنانية في هذه الدول، وعلى علاقة لبنان بمحيطه العربي، وعلى اقتصاده وصموده في ظلّ أزمة طاحنة لا يعرف طريق الخروج منها، لم تبرز أي معارضة أو مواجهة جدية لـ»حزب الله»، ولم تدفع «المعارضين» الى التداعي ومواجهة «الحزب» مجموعين وبالتكافل والتضامن، بل اكتفت كلّ جهة بإصدار البيانات وإطلاق المواقف، من دون أي تحرُّك فعلي على الأرض، فحتى لم تشهد الساحة الداخلية «هبّة سنية» شعبية وسياسية جامعة دعماً للسعودية أو مواجهةً لـ«حزب الله».
هذا مردّه، بحسب مصادر سياسية، الى تضعضع الشارع السني في ظلّ غياب قيادة واضحة وفاعلة وموجودة على الأرض. في المقابل يعتبر تيار «المستقبل» أنّه أدّى قسطه من المواقف في هذه الأزمة، إن عبر رئيسه أو عبر أمينه العام أو نوابه وقيادييه. وترى مصادر قيادية في تيار «المستقبل» انّ «غياب السعودية وانكفائها عن الساحة اللبنانية، وتحديداً السنية، أبعَدها من الواقع الشعبي، وهو سبب عدم حصول أي مظاهرة شعبية سنية». وإذ تؤكد أنّ «سيطرة «حزب الله» أحد أهم أسباب غياب الخليجيين عن الساحة ما زاد من عزلة لبنان»، تعتبر أنّ «قرارات دول الخليج الأخيرة ستزيد من هيمنة «حزب الله» وسيطرته». كذلك، بحسب المصادر نفسها، لن يجري رفع الغطاء عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سنياً، إذا لم يستقل قرداحي أو تُحلّ الأزمة مع الخليج، إذ «حتى لو استقالت الحكومة ماذا بعد؟ فستبقى تسيّر الأعمال، وسندخل في الفراغ والمجهول الذي يستفيد منه «حزب الله».
أمّا مواجهة «حزب الله» داخلياً فتعتبر جهات عدة أنّها غير ممكنة، إذ إنّها إذا حصلت ستؤدّي الى حرب أهلية، فضلاً عن أنّ أياً من الخارج لن يسلّح أي طرف في لبنان لأنّه لا يريد، الآن أقلّه، ليس فقط أي حرب في لبنان بل أي توتر على حدود إسرائيل يغيّر كثيراً من المعادلات في المنطقة. وتؤكد «أنّنا من الصعب أن نؤثر في المعادلات فيما أنّ المعادلات الإقليمية والخارجية تؤثر فينا، وفي انتظار المتغيرات والاتفاقيات، ما علينا إلّا محاولة الصمود». وفي حين ترى جهات سياسية أنّ الانتخابات النيابية المقبلة وحدها الكفيلة بتغيير ميزان القوى بنزع الشرعية الشعبية عن «حزب الله» ما يُمهّد الى نزع أي شرعية دولية ما زالت مُعطاة له على أساس أنّه حزب موجود في لبنان ومُنتخب شعبياً، ترى جهات أخرى أنّ الانتخابات ومهما كانت نتيجتها غير قادرة على إرخاء أي تأثير على هذا الصعيد، إذا حصل «الثنائي الشيعي» على كلّ المقاعد النيابية الشيعية أو غالبيتها، فالنظام اللبناني محكوم بالتوافق والميثاقية الطائفية، وها هم الوزراء الشيعة الخمسة بمفردهم من بين 24 وزيراً يمنعون انعقاد مجلس الوزراء.