كما معظم أبناء الجنوب البعيدين عن وادي زبقين الجميل ( النبطية – الزهراني – صيدا – حاصبيا ... ) ، للاسف لم نكن نعرف هذا الوادي الرائع وما يحتوي من لوحة جمالية الا بالامس، عندما شاهدنا صوره الحزينة وهو يحترق بما فيه، فأصابنا كما اهالي ابناء المنطقة لوعتين، لوعة جهلنا به، ولوعة فقدانه.
فحتى لو انك صودف مرورك يوما بجانب هذا الحرج المترامي المجهول، كما معظم وديان الجنوب واحراجه، فإنك لن يخطر على بالك ولن يراودك شعور أن تتذوق روعته وأن تفكر مجرد تفكير بدخوله او حتى التوقف بقربه للتلمس روحه عن قرب، لأن الانطباع الاولي عندك سيكون أن هذه المنطقة الحرجية هي منطقة "عسكرية" مقفلة يمنع ولوجها، كما كل الوديان والاحراج والبراري الجنوبية، وأن مجرد توقف سيارتك لاتخاذ صورة مثلا أو لتنشق عبير الطبيعة فإن موستيكلا أو أكثر سيحضر أمامك بعد لحظات يمتطيه أحد الاخوان ليطلب منك بكل تهذيب الانصراف من المنطقة لضرورات أمنية تخص ال" مقاومة " !
هذه هي حال كل براري ووديان الجنوب، فلم ننعم بها إبان الاحتلال الاسرائيلي، ولم نتعرف عليها بعد التحرير،، وبالحالتين هي بنظرنا لم تزل محتلة وان اختلفت العناوين.
الملفت بما حدث باليومين الماضيين، ومع مشاهد الحرائق الضخمة والمؤلمة التي كنا نتابعها لحظة بلحظة وقلوبنا تحترق مع كل شجرة وشتلة في أكثر من منطقة لبنانية وجنوبية على وجه الخصوص، شعرنا كم أن مناطقنا محرومة ومتروكة من قبل الدولة وتذكرنا مع ارتفاع اللهب كم أننا لم نزل مسلوخين عن دولتنا التي لم نر لها وجود الا لمما.
إقرأ أيضا : شهداء .... بلا قضية
يتكرس هذا اليتم الجنوبي بفقدان دولته والذي لطالما نادى الثنائي الشيعي إعلاميا وعبر الخطب والبيانات بالسعي لعودة مؤسسات الدولة المغيبة عن حاضرة الجنوب، حتى إذا ما صار هو ( الثنائي ) الدولة، شاهدنا المؤسسات الحزبية البديلة هي الحاضر الوحيد بيننا بالخصوص مؤسسات الدفاع المدني والاطفاء التابعة لحركة امل وللهيئة الصحية الاسلامية التابعة لحزب الله.
هذه المشهدية لم تكن صدفة وليست هي وليدة اللحظة، بل هي نتاج ارادة وتصميم عمل عليه لعشرات السنين، ولم يقتصر استبدال مؤسسات الدولة بالمؤسسات الحزبية على فرق الاطفاء فقط، بل شملت معظم مناح الحياة في الجنوب، من المدارس الحزبية والجامعات الحزبية والمستشفيات الحزبية ووصولا الى صندوقة الاعاشة الحزبية، ناهيك عن الوظائف الحزبية والتنفيعات الحزبية وصولا للحماية الحزبية.
لن أدخل في اسباب الحريق الذي اتى على وادي زبقين، وما قيل عن إفتعال الحريق من قبل نافذين كانوا مستحصلين على تراخيص من وزير الزراعة السابق لوضع ايديهم القذرة على هذه البقعة الرائعة، وعن إستباق الحريق لوزير البيئة بيوم واحد وإعلان الوادي محمية طبيعية، لأن الحرائق المتعددة وبمناطق متباعدة من لبنان، وحتى داخل فلسطين المحتلة قد تنسف كل هذه الاقاويل
ما اريد أن أقوله بعد الثناء والشكر الجزيل لكل متطوع ساهم في إطفاء النيران، وبذل مجهودا وتضحية ترفع لها القبعة، أن الجنوبيين يتطلعون الى لحظة دخول الدولة ومؤسساتها الى جنوبنا الحبيب، وأن " المحتل " عدو كان أو امر واقع لا يمكن أن يكون هو المنقذ وهو المسبب ب" فشله وهيمنته" لكل الكوارث التي تصيبنا في الجنوب وعلى امتداد الوطن، وليت الثنائي الذي تسبب بالحريق بعد إخفاقه بإدارة الجنوب، لم يحرق ولم يتطوعِ .