أشار مقرر الأمم المتحدة المعنيّ بالفقر المدقع، أوليفييه دي شوتر، إلى أن "ما قامت به السلطات اللبنانية من تدمير للعملة الوطنية، وإدخال البلد في مأزق سياسي، وتعميق أوجه عدم المساواة التي طال أمدها، قد أغرق لبنان في فقر مدقع".
ولفت إلى أن "لبنان ليس دولة منهارة بعد، لكنه على شفير الانهيار، وحكومته تخذل شعبها"، موضحاً أن "تدمير الليرة اللبنانية أدى إلى تخريب حياة الناس وإفقار الملايين. وتسبب تقاعس الحكومة عن مواجهة هذه الأزمة غير المسبوقة بحالة بؤس شديد لدى السكان، ولا سيما الأطفال والنساء وعديمي الجنسية والأفراد الذين لا يحملون وثائق، والأشخاص ذوي الإعاقة الذين كانوا مهمشين أصلاً".
وشدد على أنّ "الأزمة المصنّعة تدمّر حياة السكان، وتحكم على الكثيرين بفقر سيتوارثه الناس جيلاً بعد جيل. وفي حين يحاول السكان البقاء على قيد الحياة يوماً بعد يوم، تضيّع الحكومة وقتاً ثميناً في التهرب من المساءلة وتجعل من اللاجئين كبش فداء لبقائها".
ورأى دي شوتر ان "أوجه عدم المساواة في لبنان عند مستويات غير مقبولة منذ أعوام. وحتى قبل الأزمة، كانت فئة أغنى 10 في المئة من السكان تحصل على دخل يزيد خمس مرات عن فئة أفقر 50 في المئة منهم. وهذا المستوى الصارخ من عدم المساواة يعززه نظام ضريبي يكافئ القطاع المصرفي، ويشجّع التهرب الضريبي، ويركّز الثروة في أيدي قلّة. وفي الوقت نفسه، يتكبّد السكان ضرائب تنازلية تصيب أكثر ما تصيب أشد الناس فقراً. إنها كارثة من صنع الإنسان، استغرق صنعها وقتاً طويلاً".
إلى ذلك، أوضح أنه "مقلقٌ كيف أن القيادة السياسية تبدو غير راغبة في تبيان العلاقة بين الإصلاح الضريبي وتخفيف حدة الفقر، وتقلّل من شأن ما يمكن أن تحققه أنظمة الحماية الاجتماعية من فوائد في إعادة بناء الاقتصاد، ولا سيّما في أوقات الأزمات. وللأسف، ما من خطة موثوقة لتخفيف حدة الفقر أعلمتني بها الحكومة إلا وتعتمد على المانحين الدوليين والمنظمات غير الحكومية".
واعتبر أنّ "الاعتماد على المعونة الدولية ليس مستداماً، وأنّه في الواقع يضعف مؤسسات الدولة". وأضاف: "التقيت خلال زيارتي بأشخاص يعتمدون على المنظمات الدولية وغير الحكومية للبقاء على قيد الحياة، وأطفالٍ صغار حلمهم الوحيد أن يغادروا البلد في أقرب وقت ممكن، ونساءٍ يتحملن العنف المنزلي ويقطتعن من وجباتهن لحماية أطفالهن، وشبابٍ في مقتبل الحياة لا آفاق لحياتهم. يحتاج هؤلاء الناس اليوم إلى حلول موثوقة، ويساورني قلق عميق من أن الحكومة لا تأخذ محنتهم على محمل الجد".
وشدد على أنه "معروفٌ أن لبنان يتكبّد مستويات عالية من الديون، لكن ارتفاع نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي لا يؤدي بحد ذاته إلى أزمة ديون"، لافتاً إلى أن "السؤال المطروح هو علامَ أنفق القادة السياسيون الموارد. على مدى عقود؟ تجاهل لبنان الحاجة إلى سياسات اجتماعية، من برامج قوية في الرعاية الاجتماعية وبنى أساسية للخدمة العامة، وركز بدلاً من ذلك على القطاعات غير المنتجة مثل المصارف، مضاعفاً الدين العام باستمرار، ومكرساً تلك الموارد لخدمته".
بموازاة ذلك، أشار دي شوتر إلى أنه "من المذهل التقصير في المسؤولية على أعلى مستويات القيادة السياسية. وبينما التقيت بمسؤولين مخلصين على مستوى صغار الموظفين، صدمت بانفصال المؤسسة السياسية عن واقع الذين يعيشون في فقر على الأرض. فالأطفال يجبَرون على ترك المدرسة والعمل في ظروف غير آمنة، واللاجئون واللبنانيون في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء يفتقرون إلى مياه الشرب المأمونة والكهرباء، وموظفو المدارس والمستشفيات العامة يغادرون البلد بعد أن طالهم الفقر".
وتابع: "يفتقر لبنان إلى نظام شامل للرعاية الاجتماعية كان من شأنه أن يخفف من آثار الأزمة التي ضربت ومعظم السكان من غير حماية"، لافتاً إلى أنه "يجب على الحكومة أن تعطي الأولوية لوضع حد أدنى من الحماية الاجتماعية الشاملة، بما في ذلك التأمين ضد البطالة، ومستحقات الأطفال، ومعاشات الشيخوخة والإعاقة، ومستحقات المرض والأمومة أو الأبوة، وكلها كانت ستحمي العمال أثناء الإغلاق بسبب جائحة "كوفيد 19".
وأشار إلى أن "لبنان لديه فرصة لإعادة النظر في نموذجه الاقتصادي. ولن يؤدي الاستمرار في تحفيز نموذج فاشل قائم على الريعية وعدم المساواة والطائفية إلا إلى إغراق السكان أكثر في العوز. وإلى أن يتم اقتراح خطة موثوقة لتحويل الاقتصاد، ومعالجة عدم المساواة، وضمان العدالة الضريبية، والحؤول دون المزيد من المآزق السياسية، لن يأخذ المجتمع الدولي الإصلاحات على محمل الجد".
ولفت المقرر الخاص بالأمم المتحدة إلى أنه "لا تزال العلاقة المعقّدة بين الطبقة السياسية والقطاع المصرفي مقلقة للغاية. وعلى الحكومة أن تكون قدوة وأن تكشف علناً عن جميع الإيرادات والحصص والمصالح المالية، وأن تخصّص الموارد لآليات المساءلة الحقيقية. ولن يصدّق المجتمع الدولي التزامات الحكومة بالإصلاح إلا إذا التزمت بشكل جدي بمبدأ الشفافية".
كما أفاد بأن "صبر مجتمع المانحين بدأ ينفد مع الحكومة اللبنانية. بعد خسارة 240 مليون دولار أميركي نتيجة التلاعب بأسعار الصرف التعسفية"، مؤكداً أن "المجتمع الدولي يجب أن يلمس جدية الحكومة في تطبيق الشفافية والمساءلة. ومن شأن اعتماد نهج قائم على الحقوق أن يوجه جهودها على هذا المسار".