أكّد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أنّه «صحيح يتعاطى بإيجابية وانفتاح مع التحدّيات مهما كان حجمها، ويُعطي النقاش والحوار مداه الأقصى، لكن الصحيح أيضاً أنّ التحاور يقف عند حدود اقتناعات وطنية وشخصية لا يحيد عنها أبداً، وأبرزها إستقلالية القضاء ومن خلاله حماية الدستور والمؤسسات، وصون انتماء لبنان العربي والحفاظ على علاقات الأخوة مع الأشقاء العرب، وفي مقدّمهم السعودية».
كلام ميقاتي جاء خلال رعايته احتفال نقابة المحامين في طرابلس بالذكرى المئوية لتأسيسها، في قصر عدل طرابلس، في حضور الأمين العام لتيار «المستقبل» احمد الحريري ممثلاً رئيس التيار سعد الحريري، وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، وزير العدل هنري خوري ونواب وفاعليات روحية وسياسية.
وقال ميقاتي: «إنّ مفهوم الدولة يقوم على قاعدة أن يتخلّى الفرد أو المجموعة طوعاً عن بعض ما هو حق له أو لها في الأصل، من أجل المصلحة العامة التي تمثّل بالضرورة وفي نهاية المطاف مصلحة للجميع من دون استثناء. أمّا المنطق المبني على المناداة الدائمة بالحقوق الخاصة، للفرد أو للجماعة، فهو منطق غالباً ما يؤدّي إلى توتير الأجواء وتعطيل المؤسسات، ولا يأتلف قطعاً مع مفهوم الدولة التي تتجسّد فيها، كشخصية اعتبارية واحدة موحّدة، حقوق جميع أبنائها».
ودعا الى أن «تكون المئوية الثانية مئوية النظام العام، والانتظام الكامل في نهج سياسي واضح المعالم والمبادئ، يلتزم قواعد الديموقراطية الصحيحة وأسس بناء الدولة العصرية ذات السلطة الواحدة التي لا ازدواجية فيها. دولة تجعل على رأس اهتماماتها حماية سيادة الوطن وضمان سلامة أرضه وشعبه ومؤسساته، واحترام القواعد والاستحقاقات الدستورية، وصون مصالح المواطنين المقيمين والمغتربين، والحفاظ على انتماء لبنان العربي، وبناء أفضل العلاقات مع الأشقاء في المنطقة والأصدقاء في العالم. دولة تكرّس استقلال القضاء وتعمل على توفير حاجات المرفق القضائي المادية والمعنوية، لكي يتولّى إحقاق العدالة بإسم الشعب اللبناني، استناداً الى ضمائر القضاة ونصوص القانون فقط، ومن دون تدخُّل أحد أياً كانت صفته وموقعه».
ورأى ميقاتي أنّه «ليس من باب المصادفة أن تتميّز طرابلس عن سائر مراكز المحافظات التاريخية، بإنشاء نقابات للمهن الحرة فيها، على قدم المساواة مع العاصمة بيروت التي تضمّ نقاباتها كامل لبنان ما عدا الشمال. لم يكن ذلك لأنّها العاصمة الثانية، بل لأنّها في حقيقتها فيحاء الهوية قبل أن تكون فيحاء البساتين، ولأنّها المدينة الجامعة لجميع أبناء الوطن، على اختلاف تطلعاتهم ومشاربهم،
ولأنّ قواها الحية كانت ولا تزال تعبيراً صادقاً عن معنى الميثاق الوطني والعيش المشترك الذي هو مغزى وجود لبنان». وأشار الى أنّ «أعواماً مئة مرّت لم يقتصر خلالها دور نقابة المحامين في طرابلس، على تنظيم المهنة وإدارة شؤون المحامين فقط، بل كان لها حضور فاعل في الحياة الوطنية اللبنانية، من خلال حرصها الدائم على الدعوة الى قيام الدولة العادلة التي تلتزم سلطاتها بأحكام الدستور، ويتساوى فيها المواطنون أمام القانون، ومن خلال دفاعها المتواصل عن استقلال السلطة القضائية، ومن خلال حملها للقضايا الوطنية والقومية والإنسانية العادلة إلى المحافل العربية والدولية، كاتحاد المحامين العرب واتحاد المحامين الدوليين، واتحاد نقابات المحامين في دول البحر الأبيض المتوسط».
ورأى أنّ «ما يوازي هذه الأدوار أهمية، أو ربما يفوقها، تلك الأعراف الجامعة المعبّرة عن الوحدة الوطنية التي اختصت بها نقابة المحامين في طرابلس منذ نشأتها، فعاشتها والتزمت تطبيقها في كلّ الاستحقاقات النقابية من دون أي خلل، في وقائع كثيرة لا تزال محفورة في ذاكرة المدينة والشمال، منها مثلاً أنّ محامين فائزين في دورة انتخاب ما، كانوا يتنازلون عن فوزهم ليحلّ محلهم العضو الرديف، حفاظاً على قيم النقابة وتقاليدها».
وأكّد ميقاتي أنّ «طرابلس مدينتي الحبيبة، تبقى مدينة العلم والعلماء، وواسطة العقد في شمال لبنان، الفيحاء التي قدّمت كلّ شيء من أجل الوطن والعروبة، والتي تستحق في المقابل كثيراً منا، تنمية وأمناً وصحة واقتصاداً وبنى تحتية وفرص عمل». وقال: «أعرف وتعرفون أنّها عانت الإهمال المتمادي طوال المئة الأولى من عمر لبنان (التي سمّيتها مئة الأزمات)، وذلك على رغم الجهود الخّيرة والإرادات الطيبة التي لم تؤتِ ثمارها على وجه مستدام، بسبب طبيعة النظام اللبناني الذي ينتج الأزمات دائماً ويفرض التسويات دائماً، ما حال دون إعطاء المدينة وغيرها من المناطق اللبنانية الحقوق الطبيعية التي لها، فصارت ساحة حروب مدمّرة». وأعلن، «سعينا الدائم الى إنصاف طرابلس وإعطائها حقها، كمدخل لإنصاف سائر المدن والأقضية والمحافظات، وأن يكون هذا الإعلان شعار المئوية الثانية لجميع العهود والمجالس والحكومات والأحزاب، بما فيها الحكومة الحالية».
عبود
من جهته، شدّد رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود على أنّ «السلطة القضائية تجد سبب وجودها في حريتها واستقلالها، وأنّها تفقد مبرّر وجودها وتفتقده عند حصول أي استتباع أو عند تحقق أي تأثير أو خوف، وهذا ما لا نقبل به، فهي تعي ووعت تماماً المهمات الوطنية والقضائية الملقاة على عاتقها». وأكّد أنّ «القضاء لن يتردّد لحظة في تشريف موجبات القَسَم الذي التزمه، مهما صعبت المهمات ومهما عظمت التضحيات».
مراد
وكانت كلمة لنقيب محامي الشمال محمد مراد، الذي طالب بـ»إنجاز التشكيلات من دون إبطاء، لأنّ ما وصلنا إليه من اختلال، طعن العدل في صميمه وزعزع الاقتصاد، وفتح ثغرات خطيرة في موجب التحفظ، فصرنا نشهد نتوءًا من هنا وانفلاتاً من هناك، ونسمع هتافات مؤيّدة أو مندّدة، والقاضي لا ينبغي له بغير ما اختاره له القانون، فلا يرن هاتفه الّا في عمق وجدانه، ولا يكون اقتناعه الّا من حبر الاوراق، ولا يجعل حكمه بإسم الشعب الّا عنواناً للحقيقة». ثمّ تسلّم مراد شهادة «الايزو 9001» لإدارة الجودة.
بن عيسى
كذلك كانت كلمة للأمين العام لاتحاد المحامين العرب النقيب مكاوي بن عيسى، أكّد فيها أنّ «دور اتحاد المحامين العرب هو السعي الى تحقيق الوحدة الشاملة، باعتبارها ضرورة حتمية وهدفاً استراتيجياً لمواجهة تحدّيات العصر من أجل كرامة المواطن العربي، بتحريره من كلّ مظاهر التخلّف والظلم والاستغلال وحقه في العيش آمناً مطمئناً في أرضه ووطنه».
الخوري
الى ذلك، هنّاً وزير العدل هنري الخوري نقابة المحامين لمئويّتها، وأبدى سعادته «للمشاركة في اختتام احتفالات النقابة التي أُقيمت في طرابلس»، وقال في المناسبة: «بلغ عمر نقابة طرابلس 100 عام، أي تجاوزت حرباً كونيّة، وهذا أمر ملفت ورائع، ولكن الأروع هو انّ القانون اثبت ايضاً انّه مستمر معها، وأنّ القضاء ما زال يُصدر احكامه، وهذا ما نعمل ونصبو دوماً اليه»، وتمنى أن «يبقى القانون متصدّراً مئات السنين ويبقى هو سيّد المواقف».
ثوار طرابلس
تجدر الإشارة الى انّ ثوار طرابلس ورغم التدابير الأمنية المشدّدة من القوى الامنية والجيش اللبناني، تمكنوا من الوصول الى مدخل النقابة هاتفين مندّدين باللقاء الذي لا يغني عن جوع، ومحاولين إيقاف السيارات لمواجهة النواب المشاركين الذين خرجوا من البوابة الاخرى لقصر العدل.