تتكاثر الأزمات وتتناسل متفلتة من ضوابط علم الاجتماع وبلا أي أفق يتواءم مع الواقع اللبناني. ففي دول العالم يتم التحقيق في الكوارث والاحداث التي تقع، وتصل التحقيقات الى النتائج المتوخاة إلا في لبنان، يصبح التحقيق -إن حصل- كارثةً بذاته تُضاف الى مسلسل الكوارث والأزمات المتلاحقة. القائمة والمُستحدثة ليتحوّل المشهد السياسي اللبناني الى لعبة القطِّ والفأر، وتستحيل المواقفُ مهازلَ تربو أضعافًا في بنك العبث المعتمد والمُتعمّد.
تتحوّل الحياةُ حين تهبط بها السياسة الحمقاءالى أدنى درجات الانحطاط والتخلّف، وتصير حالة بهيميّة تدفعُ بالجماعات الى استخدام العُنف والتهديد به كمادّة أوليّة متجدّدة لصناعة الفعل وردّة الفعل، واستعماله مصدرَ طاقة متجددة غير نظيفة لتحريك المشهديّة الشعبيّة حيث تتماهى فيها الضحيّة مع الجلّاد.
إنّ معظم اللبنانيين اليوم غارقون في بحر البؤس وقابعون تحت خط الفقر المتعدد الابعاد. ورغم قدرتهم على التكيف مع اوضاع لا تُحتمل فإنّه لم يعد باستطاعتهم تحمّل المزيد من تدوير الزوايا، لان "التدوير" الذي يتفنن فيه زعماء القهر والعهر لم يترك زاوية الا وحولها طوقًا ضاغطًا يشدُّ الخناق على أكثر من 80% من الناس التي تستمدّ رغبتها في الحياة بأمل تغيير هذه السياسة الرعناء التي تديرها سلطة فقدت شرعيتها الشعبية مع انتفاضة تشرين.
هذه المنظومة يتحكم بها أشخاصٌ مُعاقبون دوليًا ومطلوبون للقضاء محليًا ومحكومون شعبيًّا بـ "الإعدام كُرهًا حتى العزل" والمحاسبة يوم الانتخاب.
إن مُخاطبة هذه المنظومة السياسيّة بأدب هي قلّة الأدبِ ذاتها، وهي الادب المستحيل. "فالميوعة" التي لا تنأى بنفسها عن مرافقة الحكومة التي لم تُثمر إلّا نجاحًا شخصيًا لرئيسها بتأليف حكومة انتظرها اللبنانيون حكومة اختصاصيين فإذا بها حكومة "مخصيّين" لا تشبه الا كتلة رئيسها التي تحمل اسم "العزم" في الوقت الذي تَفتقدُ فيه الحزم والحسم. وكأنّها حكومة "مَهمّة" تدوير الزوايا في بلدٍ لم تُترك فيه زاوية الا دُوّرت ودُمرت. زكاها وعلّاها "وزير اعلامها" الذي حقق شهرةً وربحَ "الملايين" من تقديم برامجَ كان لها انتشار واسع وحضور جذب المشاهدين فكان بحق نقيبا للتسلية.
كشفت هذه البرامج في بعض حلقاتها عن "غباء" مستفحلٍ لدى "الجمهور"، خصوصًا عند الاستعانة به لمساعدة "المشترك" في الاجابة على سؤالٍ ما. حيث تعامل "المُقدّم" مع ضيوفه بأناقة وكَيَاسة لافتتين مُستخدِمًا فصحى ممزوجة بنكهة لبنانيّة مُحبّبة بدا فيها "شيخَ صُلْحٍ"... واسع الثقافة... بعيدَ الأفق، حاجبًا في الوقت ذاتِه ضحالةً فكريّةً لا تختلفُ جوهريًا عن ضحالة "الجمهور" ، لتظهر هذه الضحالة والسطحيّة لاحقًا في مواقفه السياسيّة من بعض القضايا المُثيرة والمُثارة. فطُرح كمرشح عن جهة ووُزّرَ من جهة مغايرة، كأنّه غُبّ الطلبَ.
شكّلت هذه الشخصيّة بـ "نجوميّتها" بنكًا لجأ اليه "العزيز" ليستثمر رصيده الجماهيري في تعزيز فرصه "لوراثة جمهورية الرئاسة". واعتبر خيرَ من تسعى به قدمُ، وهو الذي تردّد اسمه بين المرشّحين للانتخابات النيابيّة عام 2018، ليكون برتقالة في "سحّارة" التيّار. وبعد افلاسٍ جماهيري وانفضاض شعبي عن تيّار البرتقال، ظهر قرداحي وزيرًا "ماردًا"! تعويضًا له عن كرسيٍ نيابيٍّ لم يحصل عليه.
سكن الليل بالاذن من "جبران خليل جبران" فالنجوم تكتم الاخبار. اما النجومية فتفضحها.
وحان وقت "العصر" والمدح والثناء عله بذياك العصير يكتم الاخبار، لكن يأبى ان يبوح الا بالذي يضنيه.
وحيث لا يُحمدُ في المصائب الا الله، كان قرداحي القشّة التي قصمت ظهر العلاقات اللبنانيّة-الخليجيّة. وانصافا للواقع ان بيانه الوزاري الذي تلاه قبيل توزيره وأُذيع بُعَيد التوزير، ليس اسوأ من مقابلة وزير الخارجية الاسبق الذي استقال.. والحالي.. وليس بلاءً أشد من التسوية التي حققت حلم عمِّ "العزيز".
تعاطى الدول مع بعضها البعض ليس كما تعاطى قرداحي في برنامجه "المُسامح كريم"، وانما تتعامل وفق المصالح والاحترام المُتبادل بين الطرفين، وليس الخطاب الدبلوماسي الا اوراقا يُكتب عليها هذا الاحترام.
فالمُسامح، وفق هذا المنطق، هو الذي يعمل "بنيّة" حقيقيّة مقرونةٍ بخطوات عملية تُظهر الاحترام لسياسات الدول ومصالحها العُليا. وليس من "سيربح المليون " مثل من سيربح وطن.