لم يشهد لبنان في تاريخه ما يمرّ به اليوم من أزمات، بل من كوارث في مختلف المجالات، وتتجه الأزمة إلى مزيد من التعقيد وليس في الأفق أي أمل بمقدار ولو بسيط من المعالجات سواء السياسية منها أو المالية والاقتصادية، وبات اللبنانيون محكومون بخيارات من خارج الدولة، وبعقليات لا ترى بلبنان أكثر من شركة أو "وحدة" بالمفهوم التنظيمي في بنية الاحزاب، وهكذا تتم إدارة البلد، وهكذا تتم معالجة الملفات السياسية والمعيشية والاقتصادية والمالية وغيرها.
لم تعد مشكلة لبنان بالطائفية فقط، كما لم تعد المشكلة القائمة اليوم بخلافات من هنا أو هناك على الخيارات السياسية وفي أي محور نريد أن نكون، بل باتت المشكلة اليوم تتعلق بالإضافة إلى الصراع على الخيارات والصراع على الهوية السياسية، المشكلة اليوم هي بإدارة البلد بالعقل الحزبي الشمولي الذي ينفي فكرة الدولة أو الوطن، ولا ينسجم معها، ويتعامل مع مجمل الأحداث والقضايا والملفات الساخنة من منطلق العقل الحزبي المحدود دون أي اعتبار بأن إدارة الأزمات تفترض أولا وأخيرا أننا أمام دولة قانون ومؤسسات، وأمام دولة ذات سيادة قائمة بذاتها لا يمكن تجزئتها ولا يمكن فصلها عن جغرافيا الدول وعن محيطها وامتداداتها العربية والدولية.
إقرأ أيضا : ماذا وراء الحملة على الجيش والامام الصدر؟
حزب الله من الأحزاب الرئيسية في لبنان وله حضوره على الساحة الشعبية وفي المؤسسات الرسمية (مجلس نيابي وحكومة وإدارات) وله امتداداته وآراءه السياسية، وهذا من حقه كأي مكون لبناني آخر، وكأي حزب أو تيار سياسي آخر، ولكن ما يحصل اليوم أن هذا الحزب لم يستطع أن يميّز أو أن يفصل بين كونه حزباً داخل الدولة كسائر الأحزاب في لبنان، وكسائر الأحزاب في أي دولة أخرى، فذهب إلى اعتبار الدولة والكيان اللبناني كله إحدى مؤسساته ويتصرف اليوم أمام كل الأحداث وفي كل الملفات وكأن البلد كله شركته الخاصة أو كأنه إحدى الوحدات في هيكله التنظيمي، ويدير الأزمة اليوم بهذه العقلية غير آبه بمؤسسات الدولة وقوانينها وقضائها وإداراتها، وغير آبه البتة بمصالح الدولة مع محيطها العربي والدولي فيدفع باتجاه الخيارات السياسية التي يريدها هو كحزب دون أي اعتبار لمصلحة لبنان كدولة وكوطن وكشعب.
إن أي لبناني وإن أي حزب لبناني من حقه أن يختار خياراته السياسية والايديولوجية على تبقى ضمن القوانين، وعلى أن لا تضرّ بمصالح الدولة والشعب، ولكن ما يحصل اليوم من الإصرار والتحدي وفرض الخيارات السياسية على حساب الدولة ومصالحها، هو انقلاب متعمّد ضد لبنان وشعبه وضد مصالح الدولة ومؤسساتها.
موقف حزب الله من أي دولة، هو موقف يخصّه، ولكن ما لا يخصّه هو أخذ البلد كله رهينة الخيارات السياسية والمحاور الإقليمية لمصالحه الحزبية ولصالح دول أخرى.
إقرأ أيضا :نصر الله والفئة الكثيرة!!
لقد آن الاوان أن يحدد حزب الله صلته بلبنان، هل يؤمن الحزب بلبنان كدولة مستقلة ذات سيادة لها علاقاتها الصحيحة مع جيرانها ومحيطها أم أن لبنان بالنسبة إليه مجرد ساحة للإستغلال السياسي أو العسكري لصالح إيران والمحور؟
هل يؤمن حزب الله بانتمائه الوطني؟ هل يؤمن الحزب بالهوية الوطنية؟ وأن هذه الدولة هي المرجعية الوحيدة في تحديد الخيارات السياسية وفقا للمصالح الوطنية العليا؟
هذه الأسئلة وغيرها الكثير يجب أن تُفتح للنقاش والسؤال الأبرز أي لبنان يريده حزب الله، لبنان الدولة أم لبنان الحزب؟
ما يحصل اليوم من أزمة مع دول الخليج والمملكة العربية السعودية تحديدا، ما هي المصلحة التي يراها حزب الله من استمرار هذه الأزمة وهو يعلم كما جميع اللبنانيين بارتداداتها السلبية الكبيرة سياسيا واقتصاديا، وليس دفاعا عن السعودية بل من منطلق وطني ومن منطلق تحمل المسؤولية الوطنية ماذا يستفيد لبنان واللبنانيين من لغة التصعيد والتحدي هذه بل ومن المستفيد منها؟
يحدثنا حزب الله عن الحصار الاميركي على لبنان ونحن نريد أن نسأل أي حصار أكثر من عزل لبنان عن محيطه العربي وامتداده الاقتصادي ولمصلحة من؟