بعدما كان الرئيس نجيب ميقاتي يطمح عند تشكيل حكومته الى فتح الشرايين المغلقة مع السعودية، إذا بهذه الشرايين تتمزق كلياً بعد اسابيع من ولادة الحكومة، نتيجة قرار الرياض بقطع العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية، الأمر الذي تسبّب في انخفاض سقف طموح ميقاتي الى حدود تخفيف خسائر الغضب السعودي والعودة إلى مرحلة ما قبل العقوبات المستجدة.
مع ختم بوابة العلاقات اللبنانية- السعودية بالشمع الأحمر، سعى ميقاتي من خلال لقاءاته رفيعة المستوى مع مسؤولين خليجيين ودوليين في مدينة غلاسكو الاسكتلندية، الى «تشريج» خط حكومته برصيد إقليمي ودولي، يسمح لها بمواصلة مهامها والتعويض النسبي عن انكشافها خليجياً، بالترافق مع اقتناعه بأنّ من الضروري في الوقت نفسه «التضحية» بوزير الإعلام جورج قرداحي لتخفيف وتيرة الضغط السعودي والبدء بإعادة بناء الثقة بين لبنان والمملكة.
لكن «حزب الله» و»تيار المردة» والجهات الحليفة لهما، يرفضون افتداء العلاقة مع السعودية أو حتى الحكومة نفسها بوزير الإعلام، ويعتبرون انّ بالإمكان الإبقاء على الحكومة وقرداحي معاً اذا توافرت الإرادة اللازمة.
وتعتبر شخصية مطلعة في 8 آذار، أنّ المواجهة الحالية تحتاج إلى صبر وتحمّل، مشدّدة على وجوب عدم الشعور بالهلع والتخبّط نتيجة الإجراءات السعودية المتخذة.
وتلفت الشخصية إيّاها، الى انّ السعودية اختارت التوقيت الاقليمي - الدولي الخاطئ للتصعيد، «وهو الأمر الذي استفاد منه «حزب الله» لاحتواء الموجة الأولى من الهجوم السعودي، ورفض التراجع أمامه في اتجاه دفع قرداحي الى الاستقالة او تقديم تنازلات سياسية، لاسيما بعدما تبين انّ الغاية الأساسية من رفع وتيرة الضغط، ليس فقط إزاحة قرداحي بل انتزاع تنازلات تتعلق بدور «حزب الله» وموقعه».
وتشير تلك الشخصية، الى انّ من العوامل التي ادّت الى اعتبار توقيت الهجوم السعودي خاطئاً هو انّ «حسابات واشنطن في مكان آخر كما يدلّ انسحابها من أفغانستان، وتسهيلها تشكيل حكومة الرئيس ميقاتي، و»تطنيشها» عن استيراد الحزب المازوت الإيراني الكاسر للحصار، ومحاولتها تجديد الاتفاق النووي مع طهران وتشجيعها السعودية على التفاهم معها، وبالتالي فإنّ ما يعني الأميركيين ضمان مصالح اسرائيل فقط، ولذلك يتركّز اهتمامهم بشكل اساسي على الملف النفطي المتنازع عليه بين لبنان والكيان الاسرائيلي».
وفيما بدا انّ شظايا الغضب السعودي قد أصابت حكومة ميقاتي وهدّدتها بالسقوط، تتمّسك واشنطن في المقابل ببقاء الحكومة لضمان حصول الانتخابات النيابية وفق ما صار معروفاً، وأيضاً لمنع الفوضى الكبيرة التي قد يستفيد منها الحزب بالدرجة الأولى، ليملأ الفراغ ويشكّل تهديداً اكبر لمصالح تل أبيب واستطراداً واشنطن، تماماً كما استفاد من الضغط الاقتصادي المفرط للإتيان ببواخر النفط الإيراني، ما دفع الولايات المتحدة الى تخفيف سياسة شدّ الخناق، وتليين قيود «قانون قيصر» من خلال القبول باستجرار الغاز المصري والكهرباء الاردنية عبر سوريا، بغية تحجيم الإنجاز النفطي للحزب ومفاعيله الشعبية على أبواب الانتخابات النيابية.
وبناءً على هذه الحسابات، تلاحظ الشخصية المطلعة في 8 آذار، انّ مصلحة واشنطن وباريس افترقت عن المصلحة السعودية والخليجية في لبنان، «وبالتالي فإنّ واشنطن وباريس هما اللتان تصدّتا لتداعيات العاصفة السعودية التي كادت تقتلع الحكومة من جذورها، لولا الاحتضان الأميركي والفرنسي لها وتدخّلهما لشدّ ركب ميقاتي».
ووفق استنتاجات الشخصية، استثمر الحزب لحظة الافتراق بين الأميركي والفرنسي من جهة والسعودي من جهة أخرى، لتثبيت بقاء قرداحي في الحكومة حتى الآن، «انطلاقاً من كون تقديم استقالته او حجبها بات يحمل رمزية سياسية تتجاوز حدود الشخص في حدّ ذاته، ولذا فإنّ استقالته لم تعد ملكه الشخصي حصراً».
وبينما يعتبر البعض انّ انفجار الغضب السعودي يندرج في سياق ردّ الفعل على معركة مأرب ومحاولة تحسين شروط التفاوض البطيء مع إيران، تكشف الشخصية، انّ الرياض كانت قد طلبت خلال المفاوضات ان تتدخّل إيران لدى الحزب والحوثيين لحلّ الأزمات العالقة، لكن طهران رفضت هذا الطرح ودعت الرياض الى ان تعالج هواجسها ومشكلاتها معهما مباشرة، على قاعدة انّها لا تملي على حلفائها ما يجب أن يفعلونه، مع إبداء الاستعداد للمساعدة حيث أمكن، الّا انّ المملكة لم يعجبها الاقتراح.
واللافت تبعاً للشخصية نفسها، هو موقف رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية الذي تضامن بالكامل مع وزيره، معارضاً استقالته ومؤكّداً تمسّكه بعلاقة من الند الى الند مع السعودية. وأهمية هذا الموقف، في رأي الشخصية، تنبع من كونه أتى على مسافة أقل من سنة على الانتخابات الرئاسية، «ما يعكس تحرّر فرنجية من هاجس هذا الاستحقاق وتغليبه خياراته المبدئية على المنافع التكتيكية».
ومع انّ ما صدر عن فرنجية يعكس رأيه المبدئي بالدرجة الأولى وانسجامه مع اقتناعاته وثوابته، الاّ انّ الشخصية تشير الى انّ رئيس «المردة» بدا أيضاً وكأنّه يردّ التحية بأحسن منها الى الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، الذي كان قد أشاد قبل اسابيع بطريقة تعامل فرنجية مع الانتخابات السابقة التي أوصلت العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، قائلاً: «انّ فرنجية وقف معنا وقال لن انزل الى المجلس النيابي اذا لم تنزلوا، علماً انّه لو نزل من دوننا مع بعض الحلفاء الآخرين كان بإمكانه ان يصبح رئيساً للجمهورية، وهذا موقف اخلاقي كبير جداً جداً جداً وكبير لدينا ايضاً».
وتتوقف تلك الشخصية عند التناغم الواسع بين مقاربات الحزب وفرنجية لاستحقاقات أساسية أخيراً، من بينها ملف القاضي طارق البيطار وأحداث الطيونة والعقوبات السعودية، ما يعزز في ظنها احتمال ان يذهب الحزب نحو خيار دعم وصول فرنجية الى الرئاسة، «أو أقلّه هناك إشارات في هذا الاتجاه، ولو انّه لا يزال من السابق لأوانه حسم القرار النهائي».