عندما كان الرئيس العراقي صدام حسين قد استشعر باكراً خطر التدخل الخارجي الإيراني في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، وانخرط في حربٍ ضروسٍ مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بداية ثمانينيات القرن الماضي، كانت إيران قد بدأت بجدٍّ ونشاط في بناء قاعدة عسكرية لها في لبنان بواسطة حزب الله وسائر التنظيمات المنضوية تحت لوائه، وما إن وضعت الحرب العراقية الإيرانية أوزارها، حتى عمد زعماء الخليج إلى مطالبة العراق بدفع ما ترتّب عليه من ديونٍ جرّاء تلك الحرب التي استمرت لأكثر من ثماني سنوات، فقام عندها صدام حسين بخطوته الرعناء باحتلال الكويت، وما جرّه ذلك الإحتلال من مصائب وكوارث على المنطقة العربية والخليج، وما لبثت المملكة العربية السعودية أن استضافت أعضاء البرلمان اللبناني في أواخر العام ١٩٨٩ في مدينة الطائف، حيث تمّ إنجاز وثيقة دستورية تمكنت من إنهاء الحرب الأهلية التي استمرت لأكثر من خمسة عشر عاماً، وهذه والحقُّ يُقال، مكرمة للمملكة لا يمكن جحدها، إلاّ أنّ المملكة العربية السعودية عادت فأكملت "فضائلها"على اللبنانيين بتزكية رجل الأعمال الراحل الشيخ رفيق الحريري، كي يقود مرحلة السلام اللبنانية وفق اتفاق الطائف أواخر القرن العشرين، وبما أنّ رفيق الحريري كان رجل أعمالٍ ناجحٍ بامتياز، فاعتمد أسلوب "المقاولات السياسية"، وبدأ نشاطه السياسي تحت غطاءٍ اجتماعي، فقدّم رشوةً لحفنةٍ من الطلاب عبر مؤسسة الحريري "الخيرية"، وذلك بإرسالهم إلى الخارج ليتحصّلوا على شهادات عليا، باعتباره أنّ لبنان الحديث والمعاصر سيقوم على سواعد أبنائه المُتعلّمين المُتحضّرين، لا على بنادق آلاف المنخرطين في الميليشيات المُدجّجة بالسلاح،
وما لبث أن قام الرئيس الراحل رفيق الحريري بزرع الفساد وهدر المال العام في كافة مفاصل الدولة اللبنانية المتهالكة، من أعلى الهرم( الترويكا التي ضمّته مع الرئيس الهراوي ونبيه بري)، حتى آخر صحفي في جريدة مشهورة أو مغمورة، أو إعلامي في وسيلة إعلامية رائدة أو مُنحطّة، وآخر مُهجّر تقاضى دون وجه حق، عشرات الآلاف من الدولارات، المرّة تلو الأخرى، وأشرف الحريري( تحت الوصاية السورية على لبنان دائماً) على إدخال الميليشيات إلى إدارات الدولة،ونصّب زعمائهم قادةً في مجلِسي النواب والوزراء، ورعى تفاهم نيسان عام ١٩٩٦ بين حزب الله وإسرائيل، برعاية أميركية سورية، وأطلقت بعد ذلك سوريا يد حزب الله في الداخل اللبناني بالدعم الإيراني بكافة وسائله المادية والعسكرية، وظلّ الخليج العربي في تلك الحقبة مُكتفياً بالنّأي بالنفس عن هذا المعترك الشائك، مُطمئنّاً إلى حُسن إدارة رفيق الحريري للملف اللبناني، اللهمّ سوى الدّعم المالي المباشر وغير المباشر، وتظهّر ذلك جليّاً بعد حرب تموز عام ٢٠٠٦ بين حزب الله وإسرائيل، فانتعشت بيئة حزب الله( التي يتباهى بها دائماً) بالمليارات الخليجية التي فاقت مكارم حاتم طيئ في زمانه، وما لبث الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز أن توهّم بأنّ انفتاحاً على سوريا الأسد، يمكن أن ينتزع سوريا من مخالب إيران، فقام بزيارة سوريا في تشرين الأول من عام ٢٠٠٩، وكان من مفاعيل تلك الزيارة المُخيبة للآمال، زيارة الرئيس سعد الحريري إلى سوريا، ووضع يده في يد "قاتل والده" كما صرّح بعد ذلك نادماً لصحيفة النهار.
في هذه الظروف الصعبة التي مرّت بها البلاد، نشر حزب الله سيطرته على البلد، باحتلال وسط مدينة بيروت لحوالي عامين وأكثر، وقام بغزوة "بيروت" في شهر أيار عام ٢٠٠٨، وأعقب ذلك بالعرض العسكري بالقمصان السود في شوارع العاصمة بيروت، ممّا مهّد لقمّة الدوحة التي أرست معادلة: جيش وشعب ومقاومة، أي بكلمة مختصرة: تشريع سلاح حزب الله في الداخل اللبناني.
أهلنا في الخليج العربي..لبنان تحت الإحتلال الإيراني، صحّ النّوم.