يرى المراقبون انّ مشهدية التعديلات في قانون الانتخاب في الجلسة الاخيرة لمجلس النواب بدت وكأنّها تصوّب على هدف محدّد، الا وهو تحجيم «التيار الوطني الحر»، وهو الهدف الذي كما بدا أنّه إرادة أغلبية اللاعبين في قرارات المجلس الحالي، بعد تأييد التصويت على التعديلات، والتي لم تكن لتمرّ لولا موافقة الحليف الأقوى للتيار، أي «حزب الله»، الذي باغت التيار بتصويته، إن لم نقل لامبالاته بتمرير تلك التعديلات، فكان «الحدث المستجد» الذي ربما فاجأ التيار، في وقت دأب نواب الحزب او مصادره، على التأكيد بما معناه، بأنّهم سيكونون الى جانبه كحلفاء أساسيين، في مواجهة اي طارئ او خطر انتخابي او تعديل على قوانين، قد تشكّل خطورة على مواقعهم في الساحة السياسية الداخلية. فما الذي عدّل مواقف الحزب في خضم الاستحقاق الانتخابي، وهل ستؤثر هذه المستجدات على التحالف بين الطرفين، أي التيار «والحزب» في الانتخابات إن حصلت ؟ والسؤال الأهم، هل كانت مجرد «صفعة» لتوعية التيار التي خسر بسببها جولة! ام سيعوّضها «الحزب» من خلال وقوفه مع حليفه في معركة الطعون؟
من المعلوم للجميع، انّ قانون الانتخابات الذي أُقرّ في 14 حزيران من العام 2017 هو قانون كبير ودسم، وتتخلّله مواد متشعبة ومهل كثيرة، تتطلب من المعنيين، في حال كان هناك قرار بالتعديل، الإطلاع بدقة على تفاصيل المواد والمِهل المتشعبة بداخله، وذلك لتجنّب الطعون بالتعديلات.
إلّا أنّ الأوساط المتابعة، ترى انّ التعديل ليس من الضروري ان يكون قراراً سيادياً، بل قرار سياسي يهدف الى لي ذراع العهد الذي اعترض وحده على التعديلات شكلاً ومضموناً.
وفي الوقت الذي توقعت اوساط مقرّبة من العهد ومن رئيس تياره، ملاقاة «حزب الله» في معركته النيابية المعارضة للتعديلات، تفاجأت تلك الاوساط باللامبالاة التي أبداها الحزب داخل الجلسة النيابية الاخيرة، إن لم نقل عدم اعتراضه على تلك التعديلات للقانون، من خلال التصويت عليها، الأمر الذي تراه مصادر مقرّبة من التيار مفاجئاً نوعاً ما، وهو ما دفع برأيهم بالوزير جبران باسيل، الى الطلب من رئيس المجلس إعادة التصويت، ليس برفع الأيدي لثوانٍ بل بالمناداة بالأسماء وفق الأصول ووفق ما يقتضيه الدستور، ليتسنى لباسيل التأكّد ايضاً من عدد المؤيّدين للتعديلات، بعدما تفاجأ بالأيدي المرفوعة تأييداً للتعديلات من قِبل «كتلة الوفاء للمقاومة».
المؤكّد وغير المؤكّد
المؤكّد بحسب اوساط التيار، انّ باسيل ماضٍ في تحضيراته للأسباب الموجبة للطعن في التعديلات التي أُقرّت في الجلسة الاخيرة، وهي كثيرة ومفاجئة بحسب تسريبات مصادره، التي تلمّح الى أنّ اسباب الطعون التي سترتكز عليها كتلة «لبنان القوي» لم يعلمها سوى الفريق الدستوري، الذي هو بصدد إعدادها. مستغربة التحليلات التي تحدثت عن رفض او ردّ استباقي لها من قِبل المجلس الدستوري بالقول: «كيف لهؤلاء ان يفطنوا بأنّ المجلس الدستوري سيردّ الطعون وهم اصلاً يجهلون الأسباب الموجبة التي ما زال الفريق الدستوري للتكتل بصدد إعدادها؟!»
إنما غير المؤكّد في هذا السياق، وقبل قبول الطعون او ردّها من قِبل المجلس الدستوري، هو احتمال قبول رئيس المجلس النيابي لملاحظات رئيس الجمهورية، أو كذلك احتمال الإصرار عليها! وهو الأمر الذي سيتضح غداً الثلثاء، مع دعوة الرئيس بري الى عقد جلسة نيابية الخميس المقبل للبت بموضوع قانون الانتخاب بعد إعادة النظر بتلك الملاحظات، فيما المفاجأة قد تكون بنظر البعض، القبول بملاحظات الرئيس عون، وقطع الطريق على مسيرة الطعون التي سوف تهدّد ربما مصير الانتخابات النيابية بكاملها.
إلّا أنّ هذه الفرضية هي ايضاً من بين الاستنتاجات التي لا يمكن التأكّد منها او افتراضها، بحسب المراقبين للجلسة النيابية الاخيرة، والذين لاحظوا إصرار رئيس المجلس الحاسم على صوابية قرار التعديل في الشكل والمضمون، والذين ايضاً واكبوا التصعيد الكلامي بينه وبين رئيس التيار، الأمر الذي برأيهم لا يؤشر الى تغيير في المواقف من قِبل الطرفين.
صفعة محدودة
في السياق، تلفت اوساط التيار، الى أنّ الإصرار او التعنّت من قِبل احد فرقاء الثنائي الشيعي، ليس بالضرورة أن يسري على أداء كتلة «الوفاء للمقاومة»، التي وفق مصادر مطلعة، أرادت توجيه صفعة محدودة الى «التيار الوطني الحر» بسبب مواقفه المؤيّدة الى حدٍّ كبير، لعدم تنحية القاضي بيطار، إلّا وفق الأطر الدستورية.
إلّا أنّ الصفعة تلك وبحسب المصادر نفسها، ستكون محدودة، لأنّ ما يجمع الحزب والتيار هو اكبر بكثير من الذي يفرقهما. ولذلك ترى تلك المصادر، انّ المواجهة لن تكون مفتوحة بين» التيار البرتقالي» «والحزب الأصفر» في زمن الحصاد. اما بحسب المقرّبين من الفريقين، فذلك «ليس محبة بعلي إنما نكاية بعمر»، أي بعد الاستشراس في معركتهم مع العدو المشترك، اي رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع. الامر الذي سيفرض تدعيم حلفهما، للحؤول دون تمكّن جعجع من الاستحواذ على اكبر كتلة مسيحية معارضة في الانتخابات المقبلة.
ولذلك، تلفت المصادر، الى انّ أي توتر يتظهر لسبب او لآخر بين الثنائي الشيعي، لن يردع الطرفين من حجب الضوء عليه، عندما تكون المصالح الاستراتيجية للثائي الشيعي بخطر.
كل هذا للقول بأنّه اذا وقف «حزب الله» وقوف اللامبالي في الجولة النيابية امام اعتراضات الوزير باسيل، إلا أنّه لن يكون كذلك في مواكبته للمواجهة التي سيطلقها «التيار»، من خلال طعونه للتعديلات في المجلس الدستوري.
المؤكّد وغير المؤكّد
في الخلاصة، تلفت مصادر واسعة الإطلاع أنّ غير المؤكّد هو:
- الهدف الذي من اجله تمّ تعديل بعض المواد في قانون الانتخاب الحالي.
- إذا كان فعلاً التعديل مجرد حجة لاستدراج الطعون وتطيير الانتخابات لما سيستتبع مسار الطعون من تضييع مِهل وتحضيرات وإجراءات موجبة قبل تحديد موعد الانتخابات .
- اما المؤكّد فهو انّ الحزب لن يبالي ربما اذا حصلت أو لم تحصل الانتخابات في موعدها. إلّا أنّه وبالتأكيد سيكون اكثر اعتباطاً وسروراً ورضاءً اذا تعرقلت تلك الانتخابات خصوصاً عن غير يده! على قاعدة «المجلس الذي نعرفه يبقى افضل بكثير من المجلس الذي لا نعرفه او نتوقعه».