رأى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، خلال إفتتاح مسيرة سينودس الأساقفة على مستوى الكنيسة المارونيّة، أن "السير معا هو تعبير آخر لمعنى لبنان الذي هو العيش معا الذي يقتضي أن يسير جميع اللبنانيّين إلى هدف مشترك ومصير مشترك على مبدأ القانون والأخوّة، لا على مبدأ الفوضى والثأر والعداء".
ولفت الراعي إلى أن "لبنان يشكو اليوم من غياب دولة القانون، من التضامن المجتمعيّ، من انحدار مستوى التخاطب السياسيّ. من تدنّي القيم، من إخضاع العدالة للنافذين، من أخْذ البريء وتحييد المذنبين، من ارتفاع نسبة الأحقاد بين المسؤولين رغم المحبّة التي تجمع الشعب"، معتبرا أنه "كان يجدر بالمسؤولين السياسيّين في الدولة والحكومة أن يستدركوا أحداث الغبيرة-عين الرمانة الأليمة، عوض تركها تصل إلى المستوى المسلّح الذّي أوقع قتلى وجرحى وخسائر ماديّة في المنازل والمتاجر والسيّارات هي من جنى العمر. ولذلك إنّ مسؤوليّة ما جرى تتحمّله الدولة أصالة".
وشدد على أن "أهل السلطة والسياسيين بحاجة ماسّة إلى التلاقي المخلص، والإصغاء الوجدانيّ، والتمييز المسؤول، من أجل ضبط الحياة العامّة. فمن المؤسف أنّ مواقف بعض القوى تهدّد مصلحة لبنان ووحدته، وتعطّل مسيرة الدولة ومؤسّساتها ودستورها واستحقاقاتها الديمقراطيّة وقضاءها، ويحوّرون دور لبنان وهويّته ورسالته، ويمنعون شعبه من الحياة الطبيعيّة".
واعتبر أن "جميع المغامرات سقطت في لبنان، ولو ظنّ أصحابها، في بعض مراحلها، أنّها قابلة النجاح. ليس لبنان مغامرة، بل هو رهان على السير معا بإخلاص. وإذْ توافقْنا على السير معا في ظلّ نظام ديمقراطيّ، يجدر بنا أن نمارس الديمقراطيّة باحترام استحقاقاتها الانتخابيّة. لذا، إنّ اللبنانيّين، التائقين إلى التغيير، يتمسّكون بإجراء الانتخابات في مواعيدها ويرفضون تأجيلها تحت أيّ ذريعة كانت".
كما أشار إلى أن "السير معا يقتضي عدالة تحمي الحقوق والواجبات بالمساواة بين المواطنين. والعدالة هي ضمانة النظام الديمقراطيّ. إنّ الدولة بشرعيّتها ومؤسّساتها وقضائها مدعوّة إلى حماية شعبها ومنع التعدّي عليه، إلى التصرّف بحكمة وعدالة وحياديّة، فلا تورّط القضاء وتعرّض السلم الأهليّ للخطر إذ أنّ الظلم يولّد القهر، والقهر يولّد الانفجار".
وشدد على أن "القضاء هو علاج الأحداث لا المسببّ لها. لا نقْبل، ونحن المؤمنين بالعدالة، أن يتحوّل من دافع عن كرامته وأمن بيئته لقمة سائغة ومكسر عصا. هؤلاء، مع غيرهم، حافظوا على لبنان وقدّموا في سبيل وحدته وسيادته ألوف الشهداء. نريد عدلا في السويّة والرعيّة ولا ظلما في أي مكان. ابتعدوا عن نيران الفتنة. نحن لا نريد دولة سائبة. وحده "السير معا" بروح المجمعيّة المسؤولة، والإصغاء المتبادل والتمييز المشترك يحفظ شرعيّة الدولة وسيادتها الداخليّة والخارجيّة".
وأوضح "إن موقفنا هذا هو دفاع عن الحقيقة والمواطنين الآمنين في جميع المناطق المتضرّرة. ونتمنى أن يحترم التحقيق مع الموقوفين حقوق الإنسان بعيدا عن الترهيب والترغيب وما شابه. لا نريد تبرئة مذنب ولا اتّهام بريء. لذلك، لا بد من ترك العدالة تأخذ مجراها في أجواء طبيعيّة ومحايدة ونزيهة. ونحرص على أن تشمل التحقيقات جميع الجهات لا جهة واحدة كأنّه هو المسؤول عن الأحداث. إنّ الجميع تحت القانون حين يكون القانون فوق الجميع".
بموازاة ذلك، اعتبر الراعي أنه "لا حياة مشتركة خارج مفهوم العدالة والسلام. إن اللبنانيّين توّاقون إلى الحياة السعيدة والهدوء لأنّهم تعبوا كفاية، وإلى السيادة لأنّهم تعرّضوا للاحتلال، وإلى الحضارة لأنها ملازمة وجودهم. أنْ نسير معا هو أن يكون الله رفيقنا في المشوار اللبنانيّ. لذا، لا ندع أعيننا تمسك عن معرفة الله حين يرافقنا. إنّ الحياة من دون شراكة هي خطأ وجوديّ. في شراكتنا لا تسألوا عن الانتماء الفكريّ والحزبيّ والسياسي للآخر، بل عن انتمائه الأخلاقيّ والوطنيّ. إذ حين تلتقي الأخلاق والوطنيّة تنتصر الوحدة".
ولفت إلى أن "أحداث الطيّونةـــ عين الرمانة على خطورتها لا يمكن أن تحجب التحقيق في تفجير مرفأ بيروت. فلا يمكن أن ننسى أكبر تفجير غير نوويّ في التاريخ، ودمار بيروت، والضحايا التي تفوق المئتين، والمصابين الستة ألاف، ومئات العائلات المشرّدة. إنّنا نحذّر من محاولة إجراء مقايضة بين تفجير المرفأ وأحداث الطيّونة- عين الرمانة. فمواصلة التحقيق في تفجير المرفأ يبقى عنوان العدالة التي بدونها لا طمأنينة. إنّنا نسعى منذ وجودنا الدستوريّ إلى أن نخرج من الروح العشائريّة لا إلى البقاء فيها أو العودة إليها. نريد كلمة الحقّ من خلال العدالة. شعبنا ليس شعبا ينتقم، بل شعب مقاوم. جميع الّذين حاولوا قهر هذا الشعب واحتلال الأرض والتعدّي على الكرامات، تصدى لهم شعب لبنان ورسم بتضحياته كلمات السيادة والعنفوان".