لفت المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي وممثّل المجموعة العربية فيه، محمود محيي الدين، بعد لقائه رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، في السراي الحكومي، إلى "أنّنا تناقشنا في أمور تتعلّق بمستقبل التعاون بين لبنان وصندوق النقد الدولي، فأنا هنا في زيارة لأيّام عدّة، باعتباري ممثّلًا للبنان ومجموعة الدول العربية في مجلس إدارة الصندوق والمدير التنفيذي للصندوق".
وأوضح أنّ "ما تمّ بحثه خلال لقاء اليوم، بعد نقاشات مماثلة مع رئيس الجمهوريّة ورئيس البرلمان وحاكميّة مصرف لبنان، هي الأولويّات الاقتصاديّة المطلوبة لنقل الصورة بشكل متكامل إلى الخبراء في الصندوق، إضافةً إلى التأثيرات الاجتماعيّة والإنسانيّة والاقتصاديّة خصوصًا بعد حادثة المرفأ، كما التأثيرات السلبيّة لجائحة "كورونا"، حيث كانت هناك إجراءات وتدابير عدّة مطروحة، كلّها كانت متوقّفة عن التنفيذ بسبب عدم وجود حكومة ذات أهليّة كاملة وصاحبة قرارات وصلاحيّات للعمل".
وأشار محيي الدين، إلى أنّه "أمّا وقد شكّلت الحكومة، فقد تناقشنا في عدد من الإجراءات، أوّلها ما يرتبط بالإصلاحات الماليّة العامّة وإدارة الدين العام واعداد موازنة عامّة منضبطة للدولة، وفقًا للقواعد والمعايير المتعارف عليها في هذا الشأن، على أن يأخذ المكوّن الاجتماعي الاعتبار الأهم فيها".
وذكر أنّ "المحور الثاني في المناقشات، يرتبط بإصلاح القطاع المالي وهو يشمل كلّ المراجعات المطلوبة للمصارف العاملة، كلّ على حدة ولمصرف لبنان، وهناك تعاون في هذا الشأن من أجل تقديم البيانات المطلوبة تباعًا، ومتابعة تفاصيل كثيرة يطلبها خبراء الصندوق للقيام بعملهم". وبيّن أنّ "المحور الثالث في المناقشات، مرتبط بإدارة وتوحيد سعر الصرف، من خلال نظام عمل متكامل يتمتّع بصدقيّة، ويكون نتيجةً لإصلاحات اقتصاديّة مهمّة تتبنّاها الحكومة بالتعاون مع مصرف لبنان".
كما ركّز على أنّ "المحور الرابع هو مجموعة من الإجراءات والإصلاحات الهيكليّة المطلوبة لبعض القطاعات الحيويّة، تثبت العمل المواكب في مواضيع مثل الطاقة والكهرباء، وقد تناولنا هذا الأمر بقدر من التفصيل"، مؤكّدًا أنّ "رئيس الحكومة يملك رؤية واضحة ومتكاملة لكلّ هذه المكوّنات، ويبقى أنّ دوري هو نقل هذا التصوّر إلى خبراء الصندوق الّذين بدأوا، على المستوى الفني، التداول بالبيانات والمعلومات والتشاور بشأنها. كما أنّ هناك مطالب أخرى وعددًا من مشاريع القوانين المعروضة، بما في ذلك المشروع الخاص بحركة رؤوس الأموال (الكابيتال كونترول)".
وأعرب محيي الدين، عن أمله أن "يتحقّق الغرض من هذه الزيارة ومن الجولة الّتي أقوم بها، وأن تكون لدى الصندوق صورة متكاملة عن أولويّات المرحلة المقبلة، العمل وفق نهج سريع وتنفيذ عاجل للإجراءات حتّى نتمكّن من الوصول إلى اتفاق مع الصندوق. هذا العمل سريع مضن ودقيق، لذا نحتاج إلى تعاون مستدام حتّى نصل إلى نتائج تصبّ في مصلحة لبنان والشعب اللبناني".
وعن موعد بدء لبنان بحصد نتائج هذه المفاوضات، فسّر أنّ "التشاور مستمرّ على المستوى الفنّي بين رئيس البعثة المكلّفة وخبراء الصندوق، الّذين يحصلون على البيانات والتقارير المطلوبة حتّى يتمكّنوا من القيام بعملهم، الّذي يعدّون على أساسه تقريرًا فنيًّا يعرض على الحكومة ومصرف لبنان، وهو سيتضمّن الأولويّات المطلوبة، وهذا ما يمكن اعتباره الخطوة الأولى الّتي نقوم بها الآن".
وشرح أنّ "الخطوة الثانية، هي قيام الصندوق بعرض التقرير، وبعد ذلك تأتي الخطوة الثالثة مع الحكومة الّتي ترسل إلى الصندوق خطابًا، على اعتبار أنّ لبنان دولة عضو تقول فيه "هذه أولويّاتي بالنسبة إلى المرحلة المقبلة، واود القيام بوضع برنامج متكامل". أمّا حول طبيعة البرنامج وتفاصيله، فهناك خيارات عدّة تمّ طرحها للتفاوض، ولدى الاتفاق يتمّ الإعلان عنها فورًا".
أمّا عن تاريخ بدء المفاوضات بشكل فعلي، فلفت محيي الدين إلى "أنّنا نأمل أن يتمّ ذلك قبل رأس السنة، وأن يؤدّي الجهد الّذي يبذل اليوم للوصول إلى كلّ البيانات والمعلومات الكافية لخطاب النوايا، الّذي سيكون تحت امرة الحكومة ومصرف لبنان، لكن في البداية يجب توفّر كلّ البيانات المطلوبة".
وعن مخاوف من شروط قاسية يفرضها الصندوق على لبنان، أعلن "أنّني كممثّل للبنان وكمحبّ له ومن خلال متابعة الأحوال فيه، لا أعتقد أنّ هناك أقسى ممّا نراه اليوم، وأيّ معالجات للمستقبل سواء لإصلاح المديونية أو نظم الصرف أو معالجة مشكلات المصارف أو وضع برنامج متكامل حتّى يستعيد المودعون حقوقهم، بما في ذلك الترتيبات الخاصّة بانضباط الموازنة العامة، بمعنى أن يكون هناك إدارة للدين العام بشقَّيه الداخلي والخارجي".
إلى ذلك، شدّد على أنّ "كلّ هذه المطالب تبدو صعبة ولكن ما نراه اليوم أصعب، وأنا أتصوّر أنّه بعد نجاح هذا البرنامج كما تابعنا في حالات لم تكن يسيرة في دول أخرى، يمكن إعادة الثقة المطلوبة إلى الاقتصاد، ونحن نراهن إيجابًا على قدرة الاقتصاد والشعب اللبناني وقدرتهما العالية على التجاوب مع الإشارات الإيجابيّة إن حدثت".
وحول بدء تعافي لبنان، أشار محيي الدين إلى أنّ "بعد كلّ الإجراءات الّتي ذكرناها والانتهاء من خطاب النوايا، سيتمّ الإعلان عن برنامج يكون من أركان بناء الثقة بالاقتصاد اللبناني، وبناءً عليه ستتدفّق رؤوس الأموال وتبدأ حركة طيّبة من التعافي الاقتصادي".