اهم وسيلة للمشاركة في الحياة السياسية هي الانتخابات. واذا لم يمارس المواطن "سلطته" اللحظوية هذه بجدية ويشارك بمسؤولية في أنتخاب من يراه جديراً ليمثله في البرلمان، يكون قد تنازل مسبقا عن حق اساسي له كفله الدستور، تاركاً هذا"الحق" طائعا لا مكرهاً، لمن سبب خراب البلاد.
أن وضوح الرؤية عند الناخب منفرداً والهيئات الناخبة مجتمعة، يحدد نتائج أية إنتخابات، لذا كان الاغريق وهم أول من وضع اسس الديموقراطية، يمنعون تصويت العبيد لأن العبد سينتخب سيده مهما كان فاسدا.
وما الاستحقاقات التي تمت سابقا، وتجري حالياً في الهيئات الطلابية للجامعات ونقابات المهن الحرة والتغيير الذي احدثته في النتائج ولو كان جزئياً الا تأكيداً لصحة ما نشير اليه واثباتاً لقوى التغيير انها اذا "حزمت امرها" تستطيع الحاق الهزيمة بقوى "المنظومة المسلطنة". فعهد "البوسطة" و"المحدلة" ولى ليس لشح في الوقود، لكن لوفرة في الوعي الانتخابي استند على ركائز كانت سابقاً مفقودة او مغيبة.
اولا مبدأ المحاسبة والمساءلة.
ثانياً برامج المرشحين.
ثالثا المشاركة الجدية والمسؤولة.
هذه الركائز اظهرتها انتفاضة تشرين وحضرت بقوة في الاستحقاقات المشار اليها لتشكل صحوة حملت معها رؤى تجديدية ومعيارية اعتمدت في منح الثقة لهذا المرشح او ذاك وفق التنافس على برامج، وليس لمصلحة "افراد" كما جرت العادة.
ومن الخطأ الفادح ان نضع هذه المتغيرات في اطار ردات فعل آنية او مزاجية مع عدم اهمال الظروف التي يتم فيها الاستحقاق.
ان وضوح الرؤية عند الناخب او الهيئات الناخبة هو الفيصل الحاسم للنتائج. رغم ادعاء البعض ان ما جرى استثناء لا يعتد به ، ويعتبرون ان هذه النتائج جاءت من شرائح محددة كطلاب..اطباء.. محامين.. مهندسين.. اي انهم ناخبون انتقائيون ونخبويون يلتقون على رؤية موحدة، وحجتهم ان هذه انتخابات خاصة تختلف عن الانتخابات العامة. لانها تشمل كل الفئات والشرائح الاجتماعية وهي ليست نخبوية والراي العام مكون من مشارب غير انتقائية! معللين منطقهم هذا باغراءات الرشوة و"النشوة" الانتخابية و"تسعير" الصوت وغيرها من الاسباب التي تضاعف من اهانة الناخب.
هذا المنطق متهافت ببساطة، ودليل تهافته و"تفاهته" يقدمه احد النواب "الانتقائيين" الذي تساءل صيف 2019 باستهجان! عن الحرائق التي كانت"هاهنا" تشتعل في مناطق طائفة محددة دون مناطق اخرى!! الم يكن هذا النائب وزيرا ونقيبا لاحدى المهن الحرة؟! اذن.. اين النخبوية؟ واين الانتقائية؟ هذا نموذج من الراقدين "فوق" التراب في خيمة لا يريدون مغادرتها وهم نتاج طغيان وهذيان العقل الجمعي.
ان الفرد يتحرر بقدر ما يحرر نفسه من مؤثرات الحشود. وبهذا التحرر يستطيع الفرد ان يدير علاقته مع ذاته متجنباً ضغط الجماعة، غير خاضع لتأثيرها بما هي عقل جمعي تصهره بها فيفقد حس الانتقاد والمحاسبة. ولو حشدنا جمهوراً من العلماء والنقباء لتخلوا عن العقل الفردي الذي من المفترض ان "يحمله" كلٌ منهم، ولسوف يتحولون تحت تأثير العقل الجمعي الى قطيع تتحكم فيه العاطفة وتغيب فيه المسؤولية.لان الفرد تتضاعف قوته عندما يتواجد ضمن جماعة.
اليس لافتا في انتخابات نقابة المهندسين السقوط المدوي للائحة السلطة والارقام الهزيلة التي حصلت عليها ؟ اليس لافتا ايضا ان تنجح احزابها في فرع واحد! فرع موظفي القطاع العام!؟ فاذا اهملنا حس الانتقاد والمحاسبة والمسؤولية ما الفرق بين هؤلاء والنائب الحالي النقيب سابقا" .اليس هؤلاء نخبة؟ وانتقائيين؟ يقول فولتير:"من الصعب تحرير المجانين من السلاسل التي يبجلونها ".
ان الانتخابات في الاساس فعل تغيير وتحسين شروط الحياة، وحفظ الكرامة الانسانية والارتقاء بالقيم والمفاهيم، وتطوير قوانين تجاري تطور تطلعات. الناس، افراحهم، احزانهم، همومهم، ولسنا بحاجة الى قوى خارقة للطبيعة لتفسير تصرفات بعض الشرائح، وما يُطلق عليهم زوراً نخبيون. وهم ابعد مما يعتقدون ونعتقد.
ماذا يفعل الناخب يوم الانتخاب؟ قلة تشارك في الانتخاب كواجب. وكثرة تقع تحت تأثير الاعلان والاعلام المبني على تحليلات ممزوجة بشائعات مغلفة بأكاذيب، وأوهام مؤثرة لدرجة تبدو حقيقية نظرياً لكنها غير منطقية واقعياً. فليس كل ما هو منطقي واقعي بالضرورة مثلاً.. اذا شاركت في الانتخاب ام لم تشارك الامر سيان...! النتيجة معروفة سلفا...! وغيرها من الردحيات التي تجيد ابواق السلطة اطلاقها وترويجها لخفض نسبة المقترعين. وخلق حالة تيئيس من المشاركة الفعالة. وقد بدأت هذه التخرصات تطل براسها الان، والتشكيك في حصول الانتخابات في موعدها مع ان احزاب السلطة اكثر من يحضر لها. والبعض يشارك انطلاقا من تكليف بدون تفكير، وهم في استجابتهم اقرب الى حال المكفوفين الذين يحتاجون الى من يأخذ بايديهم، واشبه بالمكلفين لتسديد رسوم متأخرة، اوتلبية دعوة بلدية لدفع فاتورة ليست مستحقة عليهم بل لهم. وهي مسار يحدد مصيرهم ، واخرون يذهبون للتصويت كأنهم مدعون للمشاركة في حفل اختيار اجمل الاصوات "للتطريب" وليس للتشريع . فهل نحن امام حفل زجلي؟ ام استحقاق انتخابي؟؟ هكذا تنقلب الادوار، ولا ندري من يحاسب من؟ وتمسخ الانتخابات ويتشوه الاستحقاق بفعل ثقافة شائعة ومعممة للتعمية، وممنهجة وفق الية احترفتها المنظومة الحاكمة واحزابها, فهل حان وقت "التسعير" فتنجح هذه السلطة بأحزابها كما جرت العادة في التمديد؟! ام جاء زمن الحساب والتغيير.