تتقدم الانتخابات النيابية المقبلة شيئاً فشيئاً نحو الصف الامامي لأجندات القوى السياسية التي ستجد نفسها في مواجهة امتحانٍ مِفصلي لحقيقة أحجامها وأوزانها بعد 4 سنوات من التحولات والعواصف. وسيكون «حزب الله» في طليعة الجهات التي ستوضع تحت مجهر مصلحة الأرصاد السياسية بفروعها الداخلية والخارجية... فكيف يتحضّر للمعركة الجديدة؟
يتصرّف «حزب الله» على أساس انّ الانتخابات النيابية المقبلة حاصلة حتماً في الربيع المقبل. ومع انّ بعض خصومه يفترضون انه قد لا يكون صاحب مصلحة وإرادة في حصول الانتخابات في موعدها خشيةً من ان يخسر الأكثرية النيابية التي حصل عليها مع حلفائه عام 2018، الا انّ الحزب كرر غير مرة عبر مستوياته القيادية انه يتمسّك بإجراء الاستحقاق المرتقَب في وقته ويرفض اي تأجيل له.
اكثر من ذلك، تبين ان الحزب كان مُنكبّاً خلال الاشهر الثمانية السابقة على تحضير عدة الشغل وعديده، من دون ضجيج، وهو أنجز خلال تلك الفترة كل الترتيبات اللوجستية والتنظيمية الضرورية لإدارة العملية الانتخابية في الدوائر التي يتواجد فيها، وذلك تحت إشراف مباشر من نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، ما يعطي إشارة واضحة، وفق اوساط قريبة من الحزب، الى انه يتعاطى بجدية عالية مع الاستحقاق الانتخابي ومتطلباته، وبالتالي لا يناور في موقفه الداعم لحصوله، بل هو بدأ قبل الآخرين في الاستعداد له من دون أن تمنعه انشغالاته بقضايا راهنة ومُلحّة عن إيلاء الملف الانتخابي الاهتمام المبكر، عملاً بقاعدة اشتهًر بها الحزب وهي الفصل بين الاختصاصات والملفات، بحيث تتوزع الادوار والمهمات على كوادره، كلٌ بحسب موقعه.
ولم تقتصر التحضيرات الانتخابية للحزب على الجانب الاجرائي فقط، بل هو فتح أيضاً باب التشاور مع القوى الصديقة حول خيارات التعاون في الدوائر المشتركة، حيث عُقدت حتى الآن اجتماعات عدة بين الشيخ قاسم وبعض الحلفاء للتداول في الاحتمالات الممكنة، على أن تصبح صورة الائتلافات المتوقعة اكثر وضوحاً بعد اكتمال تجميع «الداتا» العملانية والسياسية التي ستستند اليها النقاشات التفصيلية ولاحقاً القرارات النهائية، وإن تكن هناك ثوابت محسومة منذ الآن، ومن بينها على سبيل المثال التحالف مع حركة «أمل» في البيئة الشيعية ومع الشركاء الطبيعيين في المناطق المختلطة.
ولئن كان «حزب الله» وحلفاؤه سيحاولون بكل ثقلهم تجديد خلايا الاكثرية النيابية المذيّلة بتواقيعهم، الا انهم يعرفون ان التحدي هذه المرة هو أصعب مما كان عليه في انتخابات 2018، وان مواجهة شرسة تنتظرهم في صناديق الاقتراع، خصوصاً ان هناك مؤشرات متقاطعة تفيد بأن قوى دولية وازِنة ستسعى بالتنسيق مع اتجاهات صاعدة في المجتمع المدني الى تغيير المعادلة الحالية في المجلس النيابي تحت شعار معاقبة الطبقة السياسية الراهنة وإدخال تعديلات جوهرية على تركيبتها، الأمر الذي يدفع الحزب نحو ما يعتبره «ارتياباً مشروعاً» في الدوافع الحقيقية لأصحاب هذا الشعار، وصولاً الى الاستنتاج بأن المقاومة هي المُستهدَفة في نهاية المطاف.
على مستوى «البيئة الحاضنة»، لا يساور الحزب اي قلق في شأن وجهة أصواتها، وهو على ثقة تامة في أن الغالبية الساحقة من ناخبي تلك البيئة ستقترع للوائحه، وستثبت لخصومه في الداخل والخارج انها لن تتخلى عن خيار المقاومة على رغم كل انواع الضغوط. وبالتالي، فإنّ الاختبار الأصعب لن يكون في مناطق نفوذه وإنما في المناطق التي ينتشر فيها حلفاؤه من الطوائف الأخرى، لا سيما التيار الوطني الحر الذي تنتظره معركة مصيرية في الوسط المسيحي.
ولئن كان الحزب لا يزال يعتبر ان التيار هو حليف استراتيجي بمعزل عن ارتفاع منسوب التباينات الموضعية في الآونة الاخيرة، الا ان المفارقة هي ان اقتراع المغتربين تحوّل أيضاً مادة تَمايُز بينهما وسط حماسة الحزب لإلغاء المقاعد النيابية الموزّعة على الاغتراب، لأنّ مناصريه غير قادرين على الترشح وتنظيم الحملات الانتخابية في الخارج بسبب إدراجه على لوائح الإرهاب في عدد من الدول، بينما يصرّ التيار على حماية «حق المنتشرين» في الترشّح والاقتراع، خصوصاً انه يُصنّف هذا الأمر إنجازاً له انتزَعه بعد نضال سياسي ولا يقبل التنازل عنه.
على كلٍ، وتحسّباً لأسوأ الاحتمالات التي قد تفرزها صناديق الاقتراع، لا يجد الحزب انّ هناك مبرراً للتوتر اذا فقد فريق 8 آذار والتيار الأكثرية النيابية، لأنه ما من جبهة متماسكة على الضفة الأخرى تستطيع وراثتها، إذ انّ معارضي هذا الفريق باتوا، في رأي الحزب، مُبعثرين ومشتتين بحيث لا يستطيعون تشكيل أكثرية منسجمة، فكيف اذا أضيف الى هذه الحقيقة انّ الديموقراطية التوافقية في لبنان لا تترك اي جدوى او قيمة لمفهوم الغالبية والاقلية كما أظهرت التجارب؟.