البيان الوزاري للحكومة الجديدة يقدّم اهدافاً كبيرة، وكأنّ الحكومة تملك عصا سحرية ستعالج كل المشكلات المتراكمة. فإذا حققت عشرة في المئة مما طرحته في بيانها الوزاري نكون قد حققنا المعجزات. ولكن، البيان لم يذكر بالتفاصيل كيف ستوضع الشعارات المذكورة موضع التنفيذ، وكذلك لم يذكر التفاصيل الدقيقة التي ستؤدي الى ذلك:
- أولاً، في موضوع مكافحة الفساد، تنوي الحكومة إعادة إحياء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وتفعيل الهيئات الرقابية، والتدقيق في كافة الوزارات ومؤسسات الدولة. هذه الحلول اعتُمدت مراراً ولم نتعلم انّها مكلفة ولا تفيد، بل ستؤدي الى مزيد من النهب والهدر والفساد. هناك وسيلة توفّر كل هذه المبالغ، ولها فعالية جدّية في مكافحة الفساد والهدر، وهي الشفافية المطلقة. وهناك قانون «الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة»، والذي ما زال ينتظر في أدراج المجلس النيابي ونسيه الجميع. هذا القانون يجعل من كل بيانات الدولة وصرف المال العام والقرارات والمناقصات والموازنات، متوافرة على الانترنت، ليطّلع عليها كل الشعب اللبناني، فيجعل من ارتكاب الفساد أصعب، ويتحول الشعب كله مدققاً في حسابات الدولة وعملها.
- ثانياً، تطرح الحكومة نيتها إقرار قانون «الكابيتال كونترول»، «كونترول» على ماذا؟ لقد وضع مصرف لبنان المركزي والمصارف ايديهم على كل الكابيتال (الودائع)، فلا حاجة للقانون اذا كانت الناس لا تستطيع التصرّف بودائعها. والسؤال اليوم، كيف ستعيد الحكومة ودائع الشعب وما الخطة؟ هل قانون «الكابيتال كونترول» وإعادة هيكلة المصارف يؤديان الى إعادة الودائع؟ فلتعيدوا الودائع الى الناس اولاً لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي.
- ثالثاً، طرحت الحكومة انّها تنوي استنهاض قطاع التعليم الرسمي، في الوقت الذي تستمر الدولة في منح مساعدات مدرسية لأساتذة التعليم الرسمي وموظفي القطاع العام، ليرسلوا اولادهم الى مدارس خاصة. أليس هذا أوضح مؤشر على فشل التعليم الرسمي؟ فإذا كانت الحكومة تنوي استثمار مزيد من الاموال في التعليم الرسمي، الذي تعرف انّه فاشل، وفي الوقت نفسه تمنح مساعدات تعليمية لموظفيها، فإنّ هذا يعتبر هدراً مضاعفاً. لقد أعطينا حلاً واضحاً يتمثل بخصخصة التعليم وتسليمه لمؤسسات تربوية ناجحة. فلماذا لا نعتمد هذا الحل ونبدأ تطبيقه تدريجاً. التأخير في تنفيذ هذا الاقتراح يعني الاستمرار في تخريج شبان غير قادرين على العمل المنتج.
من ناحية اخرى، دعا البرلمان الأوروبي في قراره الاخير، الدول الأعضاء في الاتحاد وشركاءه، مثل المملكة المتحدة وسويسرا، إلى التعاون في «مكافحة اختلاس المال العام، المزعوم، من قِبل عدد من المسؤولين اللبنانيين»، مقترحاً أن «تباشر الدول الأعضاء إجراءات قانونية في محاكمها الوطنية ضدّ أصحاب رؤوس الأموال المكتسبة بطريقة غير مشروعة (...) وتعزيز الجهود الرامية إلى إعادة هذه الأموال إلى اللبنانيين». وكنا قد طالبنا في مقالات عدة هذه الدول، بالإضافة الى الولايات المتحدة الاميركية، ان تنشر اسماء هؤلاء المختلسين لأنّها تعرفهم جيداً وتملك كافة المعلومات عن مصير هذه الاموال، مصدرها وأين انتهت. انّ مساعدة لبنان تكون بكشف اسماء هؤلاء، ليعرف الشعب اللبناني هوية الفاسدين الذين سرقوا تعبه وأوصلوه الى التعتير. والاهم، ان تطلب من الحكومة الجديدة ان تعتمد الشفافية المطلقة كشرط اساسي للثقة الدولية.