روى لي أحد مناضلي الحركة الوطنية في زمن المقاوم الاول السيد ياسر عرفات " أبو عمار " , قال : كانت قيادة الفصائل آنذاك تطلب من الاحزاب المقاومة والممانعة , قبل إحياء ذكرى ما أو مناسبة ما , شهداء جُدد على مذبح القضية , ليكون للإحتفال طعم الشهادة والدم , وبالتالي يكون ذلك تحفيزا للجماهير وتعبئة لهم كي لا تسترخي تلك الجماهير الغاضبة ,  وبالتالي تلتفت الى أشياء قد تزعج القيادات , وبناء على الطلب ترسل الاحزاب مجموعة من المقاتلين ليموتوا شهداءً , فتحتفل القيادات بخطابات الوعد والوعيد بإزالة العدو من الوجود , وتنشغل الجماهير بتعليق الصور على الجُدر والاعمدة .

ما زالت الجماهير نفسها , والقيادات نفسها مع تبديل الاسماء , والقضية ما زالت عالقة على ما هي عليه  , وخطابات الوعد والوعيد "ترندح" على مسامع نفس الجماهير بتلوينة جديدة هي دينية ومذهبية , وعنوان المقاومة والممانعة ما زال يصك أسماع الناس المنهكة من ظلم هؤلاء ومن إستبدادهم , ومن كذبهم , ومن تدجيلهم , وما زال انساننا رقما في لائحة الشهداء الذين سوف يشهدون على هذه القيادات ذات يوم في الدنيا , وفي اليوم الموعود عند الله سبحانه وتعالى .

الى الان وحدهم الشهداء عرفوا الحقيقة , لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون , فلو عادوا لفضحوا تلك القيادات التي تاجرت بهم وبأيتامهم وبأراملهم , وكنزت الاموال والذهب على حسابهم وبإسمهم , تلك القيادات التي باعت القضية الفلسطينية بثلاثين من الفضة , بل بأقل من هذا الرقم , وحوّلت بندقية المقاومة الى شعار يباع ويُشترى , وأسست مقاومات للإيجار , ودربت أجيالا ليكونوا شهداء عند الطلب .

هل التاريخ يُعيد نفسه ؟ نعم وبكل تأكيد أعاد نفسه بكل ما فيه من تجارب سيئة , لأن قيادات اليوم هم تلاميذ قيادات الامس , وجماهير اليوم هم أولاد وأحفاد جماهير الامس الذين تعودوا وتربوا على أن يميلون مع كل ريح , ولم يلجؤوا الى ركن وثيق , والدليل على ذلك هو غياب ثقافة النقد وثقافة السؤال , ألا يجدر بهولاء الجماهير أن يسألوا قيادات المقاومة اليوم عن مشروعها وعن شعاراتها , بعد أن إنحرفت بوصلتها من جنوب البلاد الى شرقها ؟ فاذا ارادت الجماهير أن تعترض على توصيفها كما وصفناها , وتثبت من جديد أنها تغيرت ووعت الظروف كما تدعي , عليها أن تسأل قياداتها الى أين يذهبون بالمقاومة التي دعمتها الجماهير لأنها تقاتل العدو الصيهوني الغاصب المعتدي , وترفع شعارات الدفاع عن المظلومين والمستضعفين ؟ هل تحولت  مقاومتنا التي دعمناها بكل ما لدينا الى مقاومة للإيجار ؟ وشبابنا الذين تدربوا لقتال العدو الصهيوني هل حولتموهم الى أكباش تفدون بهم الظلمة والمستبدين والمجرمين ؟