روى لي الصديق وزير العمل السابق في حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي ما يلي: في اجتماعٍ لمجلس الوزراء كان مُنعقداً أوائل تسعينيات القرن الماضي برئاسة رئيس الجمهورية الراحل الياس الهراوي، طرح وزير المالية الراحل علي الخليل اقتراحاً بزيادة رواتب موظفي القطاع العام بنسبة مائة بالمائة، فسأله الرئيس الهراوي: ومن أين تغطية النفقات؟ فأجاب الخليل: عندنا أملاك بحرية ونهرية، وعقارات وخلاف ذلك، يمكن بيع بعضها، فأجاب الرئيس الهراوي ساخراً ساخطاً: طيّب، إذا بعنا بعض ممتلكاتنا هذا العام والعام القادم والعام الذي يليه، فماذا يبقى بعد عشر سنوات؟ وأردف قائلاً على الطريقة الزحلاوية: أنا أُخبرك: يبقى رأس هذا "الغرمول" وأشار إلى ذَكَره،( الغرمول: في اللغة هو الذّكَر الضخم الرّخو، وقيل الذّكر مُطلقاً)، وعندها لن ينفع بشيئ، وهو ربما من الآن لا ينفع بشيئ.
رغم اعتراض الرئيس الهراوي يومها، أُقِرّت الزيادة تحت ضغط حسابات سياسية في ظلّ سلطة الوصاية السورية على لبنان، وانهارت الليرة اللبنانية أمام الدولار الأمريكي الذي لامس يومها الثلاثة آلاف ليرة( سقا الله تلك الأيام)، وسقطت الحكومة في الشارع، وجاء بعدها "المنقذ" :رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري على حصان سعودي أميركي أدهم.
اقرأ أيضا : معالي رئيس التيار الوطني الحر..
اليوم: من واجب حاكم مصرف لبنان المركزي السيد رياض سلامة أن يُصارح اللبنانيين بأنّه إذا أنفق التوظيفات الإلزامية للمصارف لدى مصرف لبنان المركزي، لدعم المحروقات والمواد الغذائية الأساسية والمستحضرات الطبية، وتهريبها إلى دول الجِوار، وبعدها بدّد مخزون الذهب الإحتياطي، وبعد عامٍ أو نصف عام، لا يبقى سوى "غرمول" فخامة رئيس الجمهورية، وهو ليس أفضل حالاً اليوم من غرمول الرئيس الياس الهراوي، الذي لم يكن قد بلغ من العمر عِتيّا أوائل تسعينيات القرن الماضي.