أشار المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، إلى أنّ "المعركة اليوم معركة أميركيّة على بلدنا وشعبنا على قاعدة "الأرض المحروقة"، وقد بات معروفًا ومكشوفًا بأنّ الأميركي يضحّي بحلفائه للنيل من خصومه، وهو ما يمارس على هذا البلد وشعب هذا البلد. ولذا، وللخلاص من المقاومة، تعتمد واشنطن وسائلها الماليّة والنقديّة والسياسيّة لخنق البلد بشعبه وناسه، بما في ذلك السلطة وحبّة الدواء والأسواق وحتّى حليب الأطفال؛ دون أن يرفّ لها جفن".
وأكّد، خلال إلقائه خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، أنّ "المعركة اليوم هي معركة كلّ لبنان، معركة كلّ مسلم ومسيحي، معركة كلّ وطني وإنساني في هذا البلد، والدفاع عن حقّنا بالعيش الكريم كلبنانيّين بات واجبًا دينيًّا ووطنيًّا وإنسانيًّا، وحماية شعبنا وأهلنا من أيّ حرب ماليّة وتجاريّة واحتكاريّة ولعبة أسعار واستنزاف ودولار من أولى الأولويّات، لأنّ المحتكر والمتلاعب والمستنزف والفاسد والمفسد ليس له دين، ولا هويّة وطنيّة، بل هو مستأجر وخائن ومجرم ليس بحقّ بيئته فحسب، بل بحقّ بلده وشعبه؛ وهؤلاء المجرمون يجب محاسبتهم وإنزال أشدّ العقوبات بحقّهم".
وأعرب المفتي قبلان عن أسفه أنّ "الكلام اليوم لم يعد له أيّ معنى عندما تصمّ الآذان، لقد قلنا الكثير عن هذه الطبقة السياسيّة، نبّهنا وحذّرنا ونصحنا، ولكن "ما في فايدة، وعلى من تقرأ مزاميرك يا داوود، لا بدهم إصلاح ولا بدهم محاسبة ولا بدهم يطبقوا دستور، ولا بدهم يلتزموا بقانون". لقد خبرناهم على مدى سنوات طوال، فكانت النتيجة من سيء إلى أسوأ، المعزوفة ذاتها، حصص وتوزيعات وحقوق طوائف وناس مغبونة، وناس محرومة، وناس خائفة".
وركّز على أنّ "هذا لبنان الّذي عاشه أهلنا ووعينا عليه، دولة موزّعة ومؤسّسات مرتهَنة، وأموال سائبة، "حارة كل مين إيدو إلو"، المقتول معروف والمجرم مجهول، "ما حدا بحاسب حدا، طوائف ومذاهب وأحزاب وملل، بلد مش معروف راسو من اجريه، وناس عايشه عالهامش" والقوي بقواه، إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه، فقر ومجاعة وبطالة وغلاء وانهيار عملة، ومستقبل ضائع، ومصير إلى جهنّم تمامًا كما بشّرونا به، وحصار أميركي وتآمر داخلي على هذا الشعب المقهور المظلوم". وبيّن أنّه "حتّى الشعب لم يرحم بعضه البعض، وأصابته عدوى الفساد، وبات بعضه أفسد من هذه الطبقة السياسيّة بالاحتكار والتخزين والغشّ والسرقة".
وشدّد على أنّ "المشهديّة مخيفة، وما نشهده حالة غير مسبوقة حتّى بالدول المتخلّفة، يضاف إليها هذا الحقد الأميركي على لبنان واللبنانيّين، وهذه السياسة المجرمة والقذرة الّتي تمارس بأبشع وأفظع صور الحصار والخنق والتضييق، لدرجة أنّ بعض الدول الإقليميّة توسّلت واشنطن ببعض المساعدة لمرضى السرطان، لكنّها أصرّت على منعهم من ذلك".
كما أوضح قبلان أنّ "نعم هذه هي واشنطن، وهذه سياساتها الحاقدة وغير العادلة، سياسات الخنق والفوضى الخلاّقة، ووضع الناس بين المرّ والأمرّ، بهدف تأليب الناس وتحريضهم واستنزافهم والتأسيس لكارثة اجتماعيّة تعيد البلد مئة سنة إلى الوراء. وهذا ما يمارَس ضدّ لبنان وشعبه بهدف شلّه وإخضاعه وجلبه صاغرًا إلى طاولة الإملاءات الأميركيّة إكرامًا لتل أبيب، وهذا ما نرفضه ولن نقبل به، وسنبقى ندافع عن كرامتنا وعن بلدنا مهما بلغت التحدّيات، جنبًا إلى جنب مع المقاومة والجيش".
ولفت إلى أنّه "على هذا الشعب المظلوم والمخدوع ألّا يسكت عمّن ظلمه ولا يزال، وأن ينتفض على هذا الواقع المخزي والمأزوم، ولكن بوعي وبتكاتف وتعاون وتكافل وصمود وعدم إذعان لرغبات البعض ممّن آثر الارتهان على حساب العزّة والكرامة، وألّا يفرط بالشراكة الوطنيّة أو يعرّض الوحدة لأي شرخ أو انقسام، لأنّ هذا ما يعمل عليه الأميركي ومن تحالف معه، ظنًّا منهم أنّ سياسة التجويع ستودي إلى الاستسلام والتسليم بما يفرض على اللبنانيّين من خطط ومشاريع تخدم الكيان الصهيوني أوّلًا وآخرًا".
إلى ذلك، أكّد أنّ "واجبنا الوطني والأخلاقي والإنساني الدفاع عن بلدنا وعن حقّنا في العيش، واجبنا أن نكون يدًا واحدة في رفع هذا الحيف، وهذا الحصار عن أنفسنا بأيّ شكل من الأشكال، فالأبواب ليست موصدة والبدائل عن الأميركي موجودة، ولكن المطلوب جرأة وشجاعة وإقدام واتخاذ القرار الّذي يمكّننا من تصويب البوصلة وتحديد الاتجاه الّذي يوصلنا إلى جمهوريّة حقيقيّة، ودولة غير تابعة وغير مغلوب على أمرها، وإلى نظام سياسي يخلصنا من هذه الأخاطيب الّتي تاجرت حتّى بأرواح الناس".
وأمّا بموضوع الحكومة، فقد رأى قبلان أنّها "اللّغز الكبير وما يحيط به من عرقلات، وما يوضع أمام عمليّة التأليف من شروط كلّها مفتعلة، ويقف خلفها وأمامها الأميركي الّذي لا يريد حكومة، لأنّه يريد تكبير الفاتورة على اللبنانيّين بهدف استسلامهم، بالتعاون والتنسيق مع كلّ مافيات وعصابات البلد، الّتي باتت شريكة كاملة الأوصاف بتدمير بلدها وقتل أبناء جلدتها".
وشدّد على أنّه "غاب عن بال الأميركي ومَن يقف معه وإلى جانبه في هذه الجريمة الشنعاء، أنّ القوى الوطنيّة والمخلصة أخذت القرار، وأعلنتها حربًا مفتوحة وبلا سقف، من أجل حماية البلد وإنقاذه، بحكومة أو من دون حكومة؛ فمفتاح الإنقاذ قد يبدأ بسفينة شجاعة لينتهي بكسر عقود طويلة من سيطرة واشنطن الاستراتيجيّة على لبنان".