كتبت "الجزيرة": ما إن بدأ الاقتصاد التركي بالنهوض من كارثة جائحة كورونا حتى تعثر بالحرائق التي انتشرت في عشرات المدن وأثرت سلبا على السياحة وإنتاج العسل وصناعات أخرى.
وتشهد تركيا منذ 28 تموز الماضي حرائق في مناطق الغابات والمنتجعات المطلة على بحري إيجة والأبيض المتوسط، وأسفرت تلك الحرائق عن سقوط 8 قتلى، وأجبرت العديد من السكان -كثير منهم مزارعون- على الفرار، وأدت إلى القضاء على مساحات واسعة من الغابات والأراضي الزراعية.
وفي تغريدة نشرها على تويتر، قال وزير الغابات والزراعة التركي بكير باكدميرلي إنه تمت السيطرة على جميع الحرائق التي اندلعت في محافظات تركيا المختلفة، باستثناء الحرائق في منطقتي ميلاس وكويجيز.
وعلى الرغم من عدم صدور أي أرقام رسمية لحصر الأضرار، فإن معالم الخسائر بدأت تتضح، وتعتبر خسارة الممتلكات أثرا اقتصاديا فوريا لحرائق الغابات، والتي ينتج عنها آثار متتالية تستمر لسنوات كتهجير العائلات والأفراد من منازلهم، وهلاك الشركات خاصة شركات التأمين، كما تؤدي إلى القضاء على أنشطة الترفيه، وتؤثر بشكل واسع على السياحة والضيافة والمطاعم والصناعات المختلفة.
السياحة
وبعد عام على الدمار الذي خلفته جائحة كورونا في قطاع السياحة التركي، وجهت أسوأ حرائق غابات في الذاكرة الحية ضربةً جديدة للقطاع الذي يمثل نحو 5% من الاقتصاد التركي.
ودفع تخفيف قيود كورونا على السفر هذا الصيف إلى التفاؤل بانتعاش قطاع السياحة التركي، لكن حرائق الغابات خيبت آمال الشركات.
وتحوّلت مشاهد مرتادي الشواطئ المبتهجين في المناطق الساحلية إلى كابوس حيث أدت الحرائق إلى إجلاء جماعي للسياح والسكان المحليين على حد سواء في مدن مثل بودروم ومرمريس.
ويؤثر ذلك بشدة على السياحة في تركيا، والتي تصب بشكل أساسي في الاقتصاد، وتصفها منظمة التنمية الاقتصادية والتعاون السياحة في تركيا بأنها "أحد أكثر القطاعات ديناميكية وأسرعها نموا في البلاد"، حيث توفر أكثر من مليوني وظيفة وأكثر من 7% من إجمالي العمالة.
وتقول وزارة الثقافة والسياحة التركية إن عدد الأجانب الوافدين في حزيران من هذا العام بالكاد تجاوز مليوني شخص، أي أقل من نصف الإجمالي المسجل في حزيران 2019 وكان أكثر من 5 ملايين زائر أجنبي.
وأدت المستويات السياحية المنخفضة إلى الحد من التحفيز الاقتصادي المتوقع عادة خلال فصل الصيف، وأبلغت العديد من الشركات عن متاعب مالية مستمرة وشديدة.
وكانت وزارة السياحة التركية أعلنت أنها تعمل على جني عائدات سياحية بقيمة 20 مليار دولار لعام 2021، وهو ما يعادل 60% من عائدات السياحة لعام 2019، لكن هذه المهمة باتت شبه مستحيلة.
وقالت المديرة التنفيذية لاتحاد منظمي الرحلات السياحية الروسية مايا لوميدزه، في مقابلة مع إذاعة روسية، إن حرائق الغابات في تركيا أثرت سلبا على مبيعات تذاكر الرحلات السياحية في روسيا إلى تركيا.
وعن عدد السياح الروس الذين زاروا تركيا في 2019، تظهر البيانات أن تركيا استقبلت في العام المذكور أكثر من 7 ملايين سائح روسي.
وقال رئيس اتحاد أصحاب الفنادق المطلة على بحر إيجة الجنوبي بولنت بولب أوغلو "لا توجد حجوزات جديدة بسبب حرائق الغابات وتم إلغاء الحجوزات الحالية، الفنادق خاوية ويطلب النزلاء إنهاء الإقامة فيها مبكرا".
لكن وزير السياحة التركي محمد نوري أرصوي يقول إن تركيا ملتزمة بأهدافها الرامية إلى جذب 25 مليون سائح هذا العام وتحقيق عائدات قيمتها 20 مليار دولار، وهو رقم يقل كثيرا عن 34.5 مليار دولار حققتها البلاد عام 2019 قبل الجائحة.
ويقول محمد كلوب الباحث الاقتصادي في جامعة يلدريم بيازيد بأنقرة للجزيرة نت إنه "على صعيد السياحة اشتكى أصحاب المهن السياحية الموسمية من تضرر أعمالهم بسبب اعتمادها الكلي على الغابات، إذ إن معظم خطوط الأنشطة الترفيهية في مدن مرمريس وفتحيه وبودروم تتمركز في الغابات التي تضررت بفعل الحرائق، وهو ما يشكل عبئا آخر على قطاع السياحة التركية التي ما زالت ترزح تحت ضغط وباء كورونا".
ولفت كلوب إلى أنه تم إلغاء الكثير من الحجوزات بسبب الحرائق وتأثيرها على البنية التحتية السياحية من مرافق وطرق، وهو ما تسبب في انتقال الحجوزات إلى وجهات أخرى مثل مصر التي دخلت حديثا على خط المنافسة مع هبوط أول رحلة طيران مباشر من روسيا إلى مصر هذا الأسبوع والذي بدوره سيعيد تشكيل خريطة السياحة في المنطقة بعدما كانت تركيا المستفيد الأول من إيقاف حركة الطيران المباشر بين روسيا ومصر.
إنتاج العسل
وذكر تقرير للمديرية العامة للغابات أن 85% من إنتاج العسل في تركيا مشتق من الغابات، التي تعرض عدد كبير منها للحرائق.
وتنتج تركيا أكثر من مئة ألف طن من العسل سنويا، مما يجعلها ثاني أكبر منتج للعسل في العالم بعد الصين. وتعتبر مدينة "موغلا" -حيث لم تنطفئ الحرائق في منطقتين بها- أكثر المحافظات إنتاجا للعسل، وتعد أكبر منتج في العالم لنوع يسمى عسل الصنوبر.
وأعلن المدير العام لاتحاد غرف الزراعة التركي شمسي بيرقدار أن بلاده تنتج 6.85% من إجمالي الإنتاج العالمي، متأخرة عن الصين صاحبة المرتبة الأولى بنسبة 30.6% من الإنتاج العالمي.
من جهته، ذكر محمد كلوب الباحث الاقتصادي في جامعة يلدريم بيازيد أن إنتاج تركيا السنوي من العسل بات من الصعب أن يصل لما كان مخططا له بـ125 ألف طن سنويا خصوصا، وأن جل غابات العسل في أنطاليا وموغلا قد طالتها ألسنة نيران الحرائق.
الحلول
وبخصوص الحلول لتخطي أزمة الحرائق، نادى الباحث الاقتصادي كلوب بضرورة التعويض العاجل للمنشآت المتضررة وأصحاب المهن الموسمية، وإدخال تسهيلات جديدة فيما يخص إجراءات دخول السياح لتركيا، بالإضافة إلى إيجاد حلول ابتكارية للتغلب على القيود الصحية، وذلك بالعمل على تطبيق مصطلح السياحة الآمنة على الأرض، وتقديم بعض الإغراءات للسياح مثل التطعيم المجاني غير المتوفر في بلدانهم مثلما فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة لاجتذاب السياح.
وفيما يخص صناعة العسل في تركيا، بات من الضروري توفير وسائل الحماية الكافية ضد الآفات والحرائق لتجنب أحداث مشابهة، إضافة إلى التعويض العاجل للمتضررين من هذه الحرائق لمنع اندثار هذه المهنة وتعزيزها على المدى البعيد.
وكان وزير المالية التركي لطفي علوان قال قبل اندلاع الحرائق إن "الناتج المحلي الإجمالي سينمو أكثر من 5% هذا العام، مدعوما بزيادة الصادرات بين 16% و20% بعد تداعيات الجائحة في 2020".