في وقت كان اللبنانيون يترقبون مسار العقوبات الاوروبية، بعدما اتفق اعضاء دول الاتحاد الأوروبي على «الإطار» العام لتلك العقوبات، توقّع اللبنانيون كما مختلف الوسائل الاعلامية، الإعلان عن اسماء الشخصيات المعاقبة، بالتزامن مع الرابع من آب. الّا انّ تقلّبات الأحداث ومفاجآت عدة على صعيد الملفات الاساسية الداخلية طغت على مشهد العقوبات ...ليطرح السؤال، متى ستنطلق المرحلة الثانية لتلك العقوبات؟ وهل ستستعيد مسارها قريباً؟ وهل من موعد محدّد للإعلان عن الأسماء ؟
لم يتوقف مسار العقوبات وسيعود مجدّداً الى الواجهة لانّه مستمر، بحسب مصدر ديبلوماسي فرنسي، مؤكّداً لـ»الجمهورية»، أنّ الدول اعضاء الاتحاد الاوروبي، انشأت حتى اللحظة ما يُسمّى «الإطار» لنظام العقوبات، وعرّفوا عن المعايير التي سيتمّ الإستناد عليها للمحاسبة او لمعاقبة الاشخاص. واجمع الاعضاء على معاقبة الاشخاص الذين يعيقون تشكيل الحكومة ويعرقلون مسار الانتخابات والاصلاحات ويخرقون احترام السيادة والديموقراطية والتقيّد بالقوانين…
هذا بالنسبة الى المرحلة الاولى من العقوبات. أما في المرحلة الثانية فيكشف المصدر الديبلوماسي الفرنسي، انّ الدول اعضاء الاتحاد الاوروبي ستتخذ الإجراءات المناسبة لطرح الاسماء، بمعنى أنّ كل جهة ستطرح الاسم الذي ترتأي وجوب معاقبته، إنما عليها في الموازاة إرفاق الدلائل او الاثباتات مع الاسم المقترح معاقبته. إذ لا يمكن أي جهة من دول الاعضاء طرح اسماء سياسيين لبنانيين او غيرهم من الشخصيات السياسية، من دون وجود أدلة واثباتات مرفقة مع الأسماء المقترحة للمعاقبة…وبذلك تكون تلك العقوبات قد ارتكزت على اسس قانونية صلبة للتمكن من تبريرها، من خلال إبراز الدليل وتقديمه الى دول الاتحاد الأوروبي والرأي العام .
عن توقيت إعلان الاسماء؟
المصدر الديبلوماسي الفرنسي نفسه لفت الى انّ غالبية المؤسسات الرسمية تغلق أبوابها في آب، لذلك سيتوقف مسار العمل الطبيعي لتسيير هذه العقوبات في الشهر الحالي، على ان تعاود دول الاعضاء اعمالها في ايلول المقبل، لتسيير مسار تلك العقوبات، وستعاود حتماً تقييم الاوضاع في لبنان لتفعيل العقوبات وإكمال مسارها الطبيعي. اي بعدما أنجزت المرحلة الاولى، التي هي «مرحلة الاطار» ستنتقل الى المرحلة الثانية التي هي «اقتراح الأسماء»، بمعنى أنّ على كافة دول الاعضاء العودة في المرحلة المقبلة، وفي جعبة كل منها اسماء تقترحها للمعاقبة، على أن تكون هذه الاسماء مرفقة بالإثباتات والدلائل التي تدين اصحابها استناداً طبعا الى المعايير التي اجتمعت عليها الدول الأعضاء في «مرحلة الإطار».
ولفت المصدر، الى انّه واستناداً الى تلك الدلائل او الاثباتات، قد يستغرق الاعلان عن تلك الاسماء اسابيع عدة او ربما أشهراً عدة، بحسب الوقت الذي قد تستغرقه المناقشات والتأكّد من المستندات المرفقة مع الاسماء المقترحة للمعاقبة، وبعدها سيكون هناك اطار لمسار العقوبات التي سيتمّ ايضاً الاعلان عنها في وقتها، بعد ان يتوافر للدول الاعضاء الإطار القانوني المناسب لذلك.
وكشف المصدر الديبلوماسي الفرنسي، أنّه لا يمكن الاعلان في الوقت الراهن عن تاريخ كشف الاسماء الاولى التي ستُدرج على لائحة العقوبات الاوروبية لأنّ العملية، وفق تعبيره، دقيقة وهي مرتبطة بالاوضاع العامة في لبنان ومرتبطة ايضاً باقتراحات محتملة قد تصدر عن دول الاتحاد الاوروبي وتتعلق بتلك العقوبات، وخصوصاً بعد المناقشات التي ستجرى بين هذه الدول، بالإضافة الى عوامل عدة، إذ من المفترض ان تحصل تلك الاسماء على اجماع اعضاء الاتحاد الاوروبي بعد التصويت عليها… فيما كشف المصدر، انّ تلك العقوبات يمكن ان تطاول الجميع، وان ليس هناك اي اسماء او قطاعات مستثناة؛ سياسية، حزبية، قضائية، امنية، عسكرية، رجال اعمال او غيرهم.
حماية خارجية للقضاة؟
عن اقتراح قيام او إنشاء حركة خارجية لحماية القضاة اللبنانيين المهدّدين، يجيب المصدر: «انّ الفكرة لم تُطرح حتى الآن ولا يمكن التكهن بهذا الموضوع، لأنّ لا صلاحية للدولة الفرنسية لطرح هذه الفكرة»، موضحاً «انّ طلب الحماية الدولية للقضاة من المفترض ان يأتي من القضاة اللبنانيين أنفسهم او من القضاء اللبناني…». وفي المقابل اكّد المصدر نفسه، انّ الدولة الفرنسية تشجع القضاة على القيام بواجبهم القانوني والعدلي، وعلى الدولة اللبنانية والمسؤولين ترك هؤلاء القضاة يعملون باستقلالية وبلا ضغوط سياسية، على ان يؤدّوا عملهم بشفافية، مذكّراً بأنّ الدولة الفرنسية تطالب وتعوّل على الدولة اللبنانية، تأمين حماية القضاة المولجين متابعة قضية المرفأ التي تقع حصراً على عاتق الدولة اللبنانية.
التنسيق وتبادل للملفات
ويثمّن المصدر الديبلوماسي الفرنسي التعاون الوثيق والتنسيق الكامل بين القضاءين اللبناني والفرنسي، خصوصاً انّ الملف القضائي الذي فُتح ايضاً في فرنسا يفرض ايضاً التنسيق بين القضاة اللبنانيين والفرنسيين المولجين بالتحقيق، بعدما تسبب الانفجار بسقوط ضحايا فرنسيين. ولذلك يتمّ دورياً تبادل الوثائق والمستندات المتعلقة بانفجار المرفأ بين القضاة اللبنانيين والفرنسيين القيّمين على انفجار الرابع من آب والتعاون مستمر بينهم، بحسب المصدر نفسه، الذي اكّد أنّ فرنسا تعوّل كثيراً على استمرار هذا التعاون وعلى حكم القضاة اللبنانيين وحكمتهم، وتعوّل ايضاً على ضرورة حمايتهم ليتمكنوا من الاستمرار قي القيام بواجباتهم بشفافية.
آلية توزيع الهبات؟
وعن آلية توزيع الهبات التي جمعتها الدولة الفرنسية في مؤتمر الدول المانحة الذي عُقد في الرابع من آب، يوضح المصدر نفسه انّ الرئيس الفرنسي كان واضحاً في شأن توزيع هذه الهبات. وشدّد كثيراً على كلمة الشفافية عندما اوضح أنّ كل جهة او جمعية او منظمة طالبت بالمساعدات ستكون مسؤولة كلياً عن آلية التوزيع وشفافيته. أما في ما يتعلق بالدولة الفرنسية، فهي مسؤولة فقط عن المساعدات البحت فرنسية، ولا يمكن الاجابة عن بقية الدول كيف ستتعامل مع عملية التوزيع. واشار الى انّ الدولة الفرنسية تتعامل مع منظمات عالمية لها ملء الثقة بها وتتمتع بصدقية عالية، وهي تدرك جيداً الأرضية اللبنانية والواقع الجغرافي للبنان. كما انّ تلك الجمعيات سترسل تقارير دورية عن طريقة توزيع تلك الاموال والمساعدات. لافتاً الى انّ لفرنسا مجموعات ومنظمات تعمل على الارض ولديها آلية لضبط ومراقبة تلك المساعدات وصرفها في كل المناطق اللبنانية بدءاً من البقاع، الجنوب، الشمال، طرابلس وغيرها من المناطق اللبنانية، وكذلك الامر بالنسبة الى سلامة وشفافية توزيع المساعدات والهبات الفرنسية المقدّمة للمدارس والعائلات وبناء المباني، من دون ان ننسى اهمية تقديم المساعدات الفرنسية الصحية للمستشفيات الحكومية.
الّا انّ المصدر الفرنسي انهى كلامه عن آلية تقديم المساعدات بالتأكيد انّ فرنسا لن تقدّم «شيكاً على بياض» للحكومة اللبنانية اياً كانت تلك الحكومة، من دون التأكّد من شفافية آلية توزيع المساعدات. مذكّراً بالمبادرة الفرنسية التي لم يلتزم بها المعنيون، ولافتاً الى انّه لن يكون هناك من مبادرة متجددة او جديدة طالما لم تُنفذ المبادرة القديمة.
فرنسا والتسمية
ويؤكّد المصدر الفرنسي الديبلوماسي لـ»الجمهورية» انّ تشكيل حكومة انقاذ هو الأساس بالنسبة الى فرنسا وهي نقطة البداية، على ان تتضمن هذه الحكومة وزراء متخصصين وجديرين يجرون الاصلاحات المستعجلة والضرورية لإنقاذ لبنان، على ان تبدأ تلك الحكومة بعد تشكيلها المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لإزالة «البلوكاج» على المساعدات الدولية للبنان.
وعن علاقة فرنسا بتسمية الرئيس المكلّف الذي اعلن عن ضمانات خارجية لفت المصدر الفرنسي، الى أنّ لا علاقة لفرنسا بتسمية ميقاتي او غيره، لأنّ النواب هم من سموّه. واوضح انّ فرنسا تدعم اي شخصية يتوافق عليها اللبنانيون ويُسمّى رئيسها بحسب الاصول ووفق القوانين والاصول المرعية الإجراء، على ان تبدأ الحكومة الجديدة بتنفيذ الاصلاحات. موضحاً ان ليس لفرنسا اي مرشح محدّد لرئاسة الحكومة مثلها مثل بقية الدول الخارجية التي لا يفترض ان تطرح اي اسم، لأنّ الامر منوط بمجلس النواب اللبناني.
واشار المصدر إلى انّ فرنسا حاضرة في المقابل لدعم اي حكومة تلتزم الاصلاحات التي طرحتها المبادرة الفرنسية. اما اذا لم تطبّق الحكومة اللبنانية هذه الاصلاحات فلا لزوم لأن تقدم فرنسا اي اقتراحات او مبادرات جديدة، اي انّ الدولة الفرنسية ستدعم اي حكومة بحسب التزامها تنفيذ الإصلاحات. اما بالنسبة الى المساعدات الانسانية فهذا موضوع آخر، لأنّ فرنسا لا يمكنها التغاضي عن مساعدة لبنان على الصعيد الاجتماعي والانساني.