لم يمرّ توقيع نواب في كتلة «المستقبل» العريضة النيابية لاتهام النواب المدعى عليهم في تفجير المرفأ ومحاكمتهم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، مرور تواقيع نواب الكتل الأخرى، لدى أهالي ضحايا هذه الجريمة والشعب اللبناني عموماً. الانتقادات اللاذعة التي وُجِّهت الى «ابن الشهيد» الذي سانده اللبنانيون للوصول الى حقيقة اغتيال والده، تركت وقعها وتأثيرها عليه، ما دفعه الى عقد مؤتمر صحافي أمس الأول، أكد فيه مطالبته بالوصول الى الحقيقة، مقدّماً اقتراحاً لتعليق كلّ المواد الدستورية والقانونية التي تمنح حصانة أو أصولاً خصوصاً في المحاكمات، لرئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، والوزراء، والنواب، والقضاة، والموظفين وحتى المحامين، ما يزيل عقبة مثولهم أمام المحقق العدلي.
إقتراح الحريري هذا يعتبره البعض مفخّخاً وسيخلق إشكالية، إذ إنّه شمل رئيس الجمهورية، فيما أن لا تبعة دستورية على رئيس الجمهورية لأنّه لم يعد يملك صلاحيات وسلطة تنفيذية بعد «اتفاق الطائف» وهو لا يوقّع قرارات، وبالتالي لا مسؤولية عليه. وفيما يري البعض أنّ الحريري «يحشر» «حزب الله» الذي وقّع عريضة الاتهام النيابية أيضاً، من خلال هذا الاقتراح، في ظلّ موجة اتهام سياسية تطاوله منذ لحظة حصول الجريمة في 4 آب 2020، يؤكد «الحزب» أنّه «السبّاق» في اقتراحات رفع الحصانة، منذ ما قبل انفجار المرفأ، ولو صوّتت الكتل النيابية، ومن ضمنها «المستقبل» مع اقتراحات كتلة «الوفاء للمقاومة» القاضية برفع الحصانات عن النواب والوزراء والموظفين، حينها، لكان المسؤولون المتهمون في قضية انفجار المرفأ يمثلون الآن أمام المحقق العدلي القاضي طارق البيطار ويحاكمون أمام القضاء العدلي.
ad
في 21 نيسان 2020، طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري على النقاش في جلسة عامة، اقتراح القانون المعجل المكرر الرامي الى رفع الحصانة عن الوزراء لمحاكمتهم أمام القضاء العدلي الذي قدّمه عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله عام 2019، فسقطت صفة الاستعجال عنه وأحيل الى اللجان وبقي في أدراج المجلس حتى الآن. هذا على رغم من أنّ «الوفاء للمقاومة» حاولت حشد أكثرية نيابية لإقرار الاقتراح، فالتقت عدداً من الكتل النيابية، منها من وقّع عريضة موافقة على الاقتراح ولم يصوّت مؤيداً له في الهيئة العامة، ومنها من لم يوقّع ولم يصوّت مثل كتلة «المستقبل».
وكان فضل الله قد قدّم 3 اقتراحات في موضوع رفع الحصانات، ومنها اقتراح تعديل دستوري. هذه الاقتراحات أتت بعد معاناته في ملفات الفساد، بحيث عندما كان يصل القضاة في تحقيقاتهم الى الوزراء، يتوقفون، انطلاقاً من النصوص الدستورية والقانونية التي تمنحهم حصانة وتقضي بمحاكمة النواب والوزراء أمام المجلس الأعلى. وإنّ اقتراح التعديل الدستوري الذي قدّمه فضل الله هو نفسه الذي قدّمه الحريري، لكنّ الأخير أضاف إليه رفع الحصانة عن رئيس الجمهورية.
إنطلاقاً من ذلك، يرفض «حزب الله» اتهامه بعرقلة التحقيق في انفجار المرفأ، معتبراً أنّ العريضة النيابية هدفها اتهام المدعى عليهم وملاحقتهم، إذ إنّ المحقق العدلي لا يمكنه أن يحاكمهم، بحسب الدستور، و»لا يمكن اتهام من يطبّق الدستور بأنّه لا يريد الحقيقة». هنا يلتقي «الحزب» والحريري، على فكرة أنّ هناك دستوراً وقوانين تحدّد محاكم خاصة، وبالتالي «لماذا حوّل البيطار القضاة المتهمين الى المحكمة الخاصة بالقضاة ولا يريد تحويل الوزير الى محكمة خاصة». كذلك «الحزب» مع أن يحاكم القضاء العدلي المتّهمين، لكن وفق المسار الدستوري والقانوني، فـ»البروباغندا الإعلامية والسياسية لا تعدّل الدستور، والشعبوية لا تنفع». ويعتبر أنّه يجب الاستفادة من الضغط الشعبي لتعديل الدستور والقوانين، فهو سبق أن قدّم اقتراحات بهذا الخصوص وهي موجودة في مجلس النواب، ولـ»يذهب الجميع ويصوّت معنا و»ليحطّوا على عَيننا» من يصوّت مع هذه الاقتراحات ومن يصوّت ضدها».
وبالنسبة الى «حزب الله» هناك عقبتان أمام البيطار: العقبة الدستورية التي لا يمكنه تجاوزها هو أو غيره، و»الحزب» مع إزالتها. والثانية وحدة المعايير، فلا يجوز استدعاء وزير من دون آخر أو جهاز أمني من دون آخر. في المقابل يطاول الاتهام الشعبي والسياسي «حزب الله» في قضية جريمة المرفأ أيضاً، ويعتبر «الحزب» أنّ «البروباغندا وأخذ الرأي العام في اتجاه اتهام لم يصل الى أي مكان في عام 2005، بل أوصَل الى فوضى وظلم وسجن ضباط ظلماً، ولا يُمكن بسبب «الهَوبرة» في الإعلام والصراخ في الشارع أن نغيّر الوقائع والحقيقة ونوظّف في السياسة ونستغلّ هذه القضية لأنّنا مقبلون على انتخابات». ولمصلحة عوائل الشهداء والوصول الى الحقيقة ولكي لا نصل الى ما وصلنا إليه عام 2005 يجب، بالنسبة الى «الحزب»، أن لا نكرّر التجربة نفسها للاستغلال السياسي».
أمّا بالنسبة الى اعتبار البعض، ومنهم جزء من أهالي الضحايا، أنّ هناك عرقلة للتحقيق المحلي ما قد يدفعهم الى السعي بجدية الى تحقيق دولي، يسأل «الحزب»: «هل وصل التحقيق الدولي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري الى مكان؟ الى ماذا وصل بعد كلّ هذه السنوات؟ وبعد كلّ الأموال التي دفعت هل نكرّر التجربة؟». وعن اتهامات تُطاول «الحزب» بجَلب النيترات الى مرفأ بيروت أو أقلّه معرفته بوجودها، وأنّ له «موطئ قدم» في المرفأ وربما في العنبر الرقم 12 تحديداً الذي انفجر، يردّ «الحزب» على هذا الاتهام، بالمطالبة بكشف ومعرفة مَن استقدم النيترات، وسبب بقائها بقرار قضائي، وما هي أسباب الانفجار وطريقة حصوله، لكي «نَخلص من معزوفة الاحتقان» وتضييع الحقائق في السياسة، فنحن أيضاً سقط لنا شهداء من عوائلنا وأصدقائنا وحتى من جهتنا السياسية».
ad
إنطلاقاً من ذلك، تعقد كتلة «الوفاء للمقاومة» اجتماعاً اليوم وستشرح موقفها من رفع الحصانات، وهي تعتبر أنّها صاحبة السبق في رفع الحصانات وقدّمت اقتراحات قوانين لتحقيقها وعملت على إقرارها، ولو سار معها حينها مَن يقترح الآن رفع الحصانات لكان المتّهمون الآن أمام القضاء العدلي، لكن «مَن أسقطوا هذه الاقتراحات جعلونا أمام مسار دستوري لا يمكننا أن نتجاوزه».