من سيئ إلى أسوأ يسير الوضع في البلد يومياً والعالم بات متيقّناً من أنّ الآتي أسوأ وأسوأ وأسوأ، ولعل أخطر التحذيرات الخارجية أتت من العاهل الأردني، الذي كان أول من رصدالهلال الإيراني في فضاء المنطقة وأصبح اليوم يرى في الثقب الأسود اللبناني ما ينذر بأنّ الأوضاع ذاهبة إلى تدهور خلال أسابيع كما حذر من واشنطن، ناهيك عن تحذير فورين بوليسي من أنّ انهيار لبنان سيخرج الصراع الخفي بين إيران وإسرائيل إلى العلن.
ورغم ذلك لا تزال الأكثرية الممسكة بزمام السلطة تستعبط الداخل والخارج بمناورات حكومية، وجديدها الاستشارات النيابية الملزمة .
لكنّ الساعات الفاصلة عن موعد الاستشارات النيابية اليوم الاثنين لن تكون كافية على الأرجح لِحَسم اسم الرئيس المكلّف بالنظر إلى رزمة العقد التي تصعب فكفكتها في ضوء تقدّم اسم نجيب ميقاتي على غيره من المرشّحين. لن يكون سهلاً بالمقابل على نائب طرابلس أن يخضع لمحاكمة شعبية قبل تكليفه، غير المضمون، بتهمة استيلاء شركاته وشركات شقيقه طه وأولادهما على قروض الإسكان المدعومة من مصرف لبنان، عبر بنك عودة، بقيمة تصل إلى أكثر من 34 مليون دولار. وقد بدأت مواقع التواصل الاجتماعي بتداول هذه الملفّات وبالأرقام.
ويفتقر إلى المظلّة المسيحية لتسميته التيار الوطني الحر يرفضه، والقوات لن تسمّيه رئيس الحكومة الأسبق الساعي إلى ضمانات عربية وغربية ومحلّية تتيح تأليفاً سريعاً لحكومته لا تتجاوز مدّته أسبوعاً واحداً، وحماية دولية لأجندة عمله الحكومي، كما ينقل عنه.
رئاسته لحكومة اختصاصيين، بوصفه مشاركاً سابقاً في منظومة الحكم، ما بتقطع عند ميشال عون وجبران باسيل. والثمن، إن قُدّر لخيار ميقاتي أن يُحسم، سيكون وزراء محسوبين بالسياسة بالكامل على العهد لتتحوّل الحكومة المقترحة إلى تكنوسياسية. وهذا اقتراح سابق للميقاتي لوّح به سابقاً باسيل حين أكّد قبل أسابيع من اعتذار الحريري أنّ أيّ حكومة مقبلة لن نقبل أن نشارك فيها إلا بأسماء حزبية. ولم يُعرف هل يقصد ما قبل الانتخابات النيابية أو بعدها.
إقرأ أيضا : لبنان :الفراغ بعد اعتذار الحريري
ينتظر جلاء كل المواقف بوضوح في غضون الساعات المقبلة، لمعرفة كيفية اتجاه الامور ومسار التسمية ومابعدها، وما سيصدر عن ميقاتي نفسه، في حال تسميته رئيسا للحكومة وعلى أي أساس قبل بهذه المهمة الانقاذية في ظل تمترس عون وباسيل وراء رفض مكشوف لهذه التسمية وعكس ماكانا يخططان له لتسمية شخصية قريبة، وتكون مطواعة لتنفيذ مبادرة طموحاتهما الشخصية الاستئثار بالدولة والاستمرار بأسلوب حكم الرأس الواحد ورئيس الظل خلافا للدستور. وتنقل المصادر ان ميقاتي لن يقبل بتكرار اساليب التعطيل التي اعتمدت لعرقلة مهمة الحريري وينطلق لقبول مهمة التكليف من ثلاثة مبادىء اساسية، الاول التزام الدستور بالتعاطي مع رئيس الجمهورية، كل ضمن صلاحياته المنصوص عنها، الثاني، تشكيل حكومة انقاذية بكل معنى الكلمة، لا ثلث معطلا فيها لاحد او محاصصة مقنعة تشل عملها، تحديد مهلة زمنية طبيعيه للتشكيل، والا لن يرضخ لاي اسلوب للابتزاز تحت اي عنوان كان .
نحن الآن على أعتاب تكليف رئيس جديد للحكومة، فهل تكليف نجيب ميقاتي أو سواه تشكيل الحكومة اللبنانية ، سينهي الأزمة في لبنان أم أنه لن يقدم ولن يؤخر باعتبار أنه حتى لو قدر له تشكيل الحكومة العتيدة، لن تكون هذه الأخيرة أكثر من جرعة أكسجين ستمدد حال الاحتضار اللبناني ،في الواقع يصعب تصديق أن تشكيل حكومة هو الدواء الشافي لما يعيشه لبنان ولما آلت إليه أحواله على الصعد كافة.كائناً من كان سيرث حكماً كلّ أرقام الأزمة وكل مخاطرها الاجتماعية والأمنيّة، لكن من غير المؤكّد أبداً أنّه سينجح حيث فشل الحريري، فلا شيء يضمن تمكّنه من تشكيل الحكومة، على الرغم من الإلحاح الدولي الكثيف على تأليفها إلا أنّ كلّ ذلك لم ينفع حتّى وقتنا هذا في دفع مَن بيده الأمر، أي ائتلاف العهد حزب الله، إلى تسهيل ولادة الحكومة.
كلام التيار الوطني الحر المعادي لتكليف الرئيس نجيب ميقاتي، وملاقاة رئيس القوات سمير جعجع لخصمه اللدود جبران باسيل في إتخاذ الموقف السلبي من التكليف المفترض لميقاتي، سواء بعدم التسمية، أو المشاركة وإعطاء الثقة للحكومة العتيدة، من شأنه أن يفضح مناورة تحديد مواعيد الإستشارات والقابلة للتأجيل في آخر لحظة، أو العمل على تعطيل عملية التأليف لأشهر أخرى، على إيقاع الإنهيارات والمجاعة والإفلاس الشامل وشل قدرة الحكومة على السيطرة على الوضع الإجتماعي والإقتصادي والمعيشي، ولو أدّى ذلك إلى القضاء على ما تبقى من مقومات الدولة، وفي هذا الإطار، لا تستبعد المصادر وجود المزيد والكثير من الخلافات والإنقسامات ،أن الأيام المقبلة في غاية الأهمية والحساسية .
وبناءً على هذه المعطيات يمكن القول أن الأجواء تؤشر إما إلى تكليف شخصية سياسية مستقلة تشكل حكومة من أخصائيين وتدير الإنتخابات النيابية بإشراف دولي ومن الأمم المتحدة أو هناك سيناريو يؤدي إلى تعويم حكومة تصريف الأعمال الحالية التي يرأسها حسان دياب وعندئذ تبقى هذه الحكومة حتى نهاية العهد وبمعنى آخر كل الإحتمالات باتت واردة سياسياً وأمنياً ومعيشياً والمسألة لا تخلو من الصعوبة أمام هذا الكم من الإنقسامات والأزمات والخلافات.