«الحقد داءٌ دفينٌ ليس يحمله إلا جهولٌ مليءُ النفس بالعلل
مالي وللحقد يُشقيني وأحمله إنّي إذن لغبيٌ فاقدُ الحِيَل؟!»
لا شيء مثل الحقد يسقط هيبة البشر ويجعلهم مجرد أدوات حمقاء لا هم لها سوى التنفيس عن مكنونات النفس بأكثر الوسائل خبثاً وعنفاً. والحقد يغرق أكثر الأنفس ذكاء في دوّامة الغباء، وذلك لأن عمى الحقد يجعل من حامله فاقد البصيرة وفاقد القدرة على التحكيم في نتائج أعماله، أكان ذلك على نفسه أم على المحقود عليهم، أو من يصدف وجودهم على طريق تصفية الحسابات، من الأبرياء غير المعنيين بالأمر. لكن ما هو معروف أنّ الحقد المرضي والأعمى هو أحد عوارض الشعور بالدونية والفشل في إنجاز ما يراه بعض الناس حقاً مكتسباً لهم، ومن هنا ينطلق الشعور بالحاجة للانتقام من كل شيء، يظنه الحاقد أنه يعيق طريقه في سبيل تحقيق أهدافه.
فرّق عالم النفس «ألفريد أدلر» بين الشعور بالدونية الأولي والثانوي. الشعور بالدونية الأولي هو الشعور المتجذر في تجربة الطفل للضعف وقلة الحيلة والاعتماد على الغير والاتكالية. لاحقاً، يمكن أن يزداد هذا الشعور عن طريق المقارنة مع الإخوان والأخوات والرفقاء. الشعور بالدونية الثانوي يشير إلى تجربة البالغ لعدم القدرة على الوصول إلى هدف يطمئنه ويشعره بالأمان، وإن كان هذا الهدف خيالياً أصله في اللاوعي، وهنا قد يلجأ إلى الانتقام بشكل أعمى، وذلك في سبيل التعويض عن الإحساس بالدونية. هذا المركب من الأحاسيس بالدونية قد يكون قوياً للغاية وقد يتفلّت من قدرة صاحبه على السيطرة. الهدف المطمئن الذي تم اختراعه للتخفيف من القلق من الإحساس الأولي بالدونية هو ما يسبب الإحساس الثانوي بالدونية، فيما يجد المُصاب نفسه في حلقة مفرغة من الاكتئاب ومحاولة التعويض بالانتقام. لكن هذه المحاولات اليائسة للحصول على الاطمئنان والتخلص من الشعور السلبي بالدونية وعدم الأهمية، غالباً ما تكون محاولات فاشلة. وهذا ما يدخل المصاب في واقع شديد الوحشة بحيث يسقط في حلقة مفرغة، فهو غير قادر على التراجع أو مراجعة الذات، وتصبح معظم احتمالاته انتحارية أو انتقامية على طريقة شمشون. نبعت فكرة عقدة الدونية من فرع التحليل النفسي، حيث ظهرت لأول مرة بين الأعمال الكثيرة لسيغموند فرويد ولاحقاً في أعمال كارل يونغ وألفريد أدلر، حيث أوضحوا أن العديد من الأعراض العصبية يمكن تتبعها إلى محاولة الحصول على المزيد للتعويض عن هذا الشعور. في متلازمة مع عقدة الدونية، نجد عقدة الاستعلاء، أو جنون العظمة، كأحد طريق الدفاع النفسية لمواجهة آلام الإحساس بالدونية.
بالطبع، لم يكن همي ممّا سبق أن أبحث عن خلفية عقدة النفس الدونية المتلازمة مع جنون العظمة، لكنني كنت أحاول أن أشرح كيف أن المنطق الإنساني العام في علاج الأمور وبحث الاحتمالات الممكنة والعاقلة، يصبح ضرباً من المستحيلات عند الشخصيات التي تحمل سِمات متلازمة عقدة النقص المصحوب بأوهام التفوق والعظمة.
المصيبة تحلّ عندما يتولى أحد هؤلاء سلطة القرار في مكان ما، أكان جمعية أو بلدية، أو حتى ربما عائلة صغيرة، أو رئاسة بلد ما أو قيادة جيش ما... فإنّ الكارثة ستحلّ حتماً بالمؤسسة الرازحة تحت مصيبة المسؤول عنها. فتصوروا أنّ صاحب معمل ما دخل في مغامرة إنتاج ما بدأت تظهر منها بوادر الخسارة، حينها سيأخذ أصحاب الشخصيات المتوازنة حتماً خيار الحَد من الخسارة بالتراجع عن الخيارات أو تعديلها. لكنّ المصابين بالمتلازمة سيمضون في خياراتهم حتى ولو أدت إلى دمار كل ما هم مسؤولون عن رعايته، وعند المساءلة، فالجواب دائماً أنّ الحق على المتآمرين!
بعد أحداث الأيام الماضية تأكّد لي استحالة الحل وفي موقع السلطة من يحمل سِمات المتلازمة المذكورة. لأجل ذلك القول «حَمى الله لبنان».