ظهر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في إطلالته الإعلامية بُعيد إعلانه اعتذاره عن تأليف الحكومة أمس الأول، مهادناً لـ«الثنائي الشيعي»، وعلى رغم إدراجه ملاحظات على «حزب الله»، إلّا أنّها لم تكن جديدة أو استفزازية، وأكّد أنّ الحوار مع «الحزب» سيبقى قائماً. في المقابل، ركّز هجومه على «الثنائي المسيحي»، أي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، على رغم التعارض بين الفريقين. الحريري كان حاسماً: لا دعم لجعجع في معركة رئاسة الجمهورية. هذا بعدما لام حليفه السابق على الاستقالة من حكومته عام 2019. فما هي أسباب استهداف الحريري لجعجع، وكيف تقرأ «القوات» كلامه؟
قد يكون الحريري أعلن عدم دعمه جعجع رئاسياً لردّ «الصاع صاعين»، بعد أن امتنع الأخير أولاً عن تسميته لتأليف الحكومة ثمّ رفضه المشاركة في هذه الحكومة. وظهر الحريري كأنّه أقرب الى «الثنائي الشيعي» من رئيس «القوات»، ربما لأنّ «الثنائي» شكّل حاضنة له إبّان مرحلتي التكليف والتأليف، على رغم أنّ جمهور الحريري يتعاطف مع «القوات»، ويعتبر أنّها تمثّله سياسياً وسيادياً. وطرح هجوم الحريري هذا على جعجع علامات استفهام، خصوصاً أنّه أتى بعد الاعتذار وقبيل أشهر من موعد الانتخابات النيابية.
ad
بالنسبة الى «القوات»، إنّ «الأسباب التي دفعت الحريري الى اتخاذ هذا الموقف مجهولة، خصوصاً أنّ المرحلة تستدعي التركيز على أولويات أخرى، وعلى إخراج اللبنانيين من الأزمة الحالية، وأنّ لحظة ما بعد اعتذاره تستدعي التفكير جدّياً بالمرحلة التي تلي هذه الخطوة».
الردّ «القواتي» الرسمي على الحريري اكتفى بتوضيح نقاط وردت في كلامه، من دون مبادلته الهجوم. وأوضحت «القوات»، في بيان، أنّها لم ترشّح عون لرئاسة الجمهورية إلّا بعد أن كان الحريري قد اتفق مع الرئيس نبيه بري على ترشيح النائب سليمان فرنجية، وحيث كانت الحركة السياسية تدلّ الى أننا كنا على قاب قوسين أو أدنى من حصول الانتخابات الرئاسية». أمّا لجهة الاستقالة من الحكومة بعد 17 تشرين الأول 2019، فكشفت «القوات» عن أنّ جعجع أجرى اتصالاً طويلاً مع الحريري في 18 تشرين الاول، أي بعد يوم واحد على الانتفاضة، وطرح عليه الاستقالة مع «الحزب التقدمي الاشتراكي» من الحكومة، فطلب الحريري من رئيس «القوات» مهلة 24 ساعة لإعطائه جواباً، وعلى إثرها حدّد جعجع اجتماعاً لتكتل «الجمهورية القوية» بعد ظهر اليوم التالي، في انتظار الخبر اليقين من الحريري، وعند بدء اجتماع التكتل جرى تواصل من «القوات» مع أوساط «بيت الوسط» لمعرفة جواب «المستقبل»، لأنّ على التكتل أن يعلن موقفه على هذا المستوى، فكان الجواب أنّ الحريري ليس في وارد الاستقالة من الحكومة».
بالنسبة الى عدم دعم جعجع رئاسياً، ركّزت الدائرة الاعلامية القواتية على أنّ «أحداً لم يطلب يوماً من الحريري تأييد ترشيح جعجع الى رئاسة الجمهورية، ولو كان رئيس «القوات» ساعياً فعلاً الى الرئاسة لكان دخل في مقايضات على غرار ما تقوم به القوى السياسية على اختلافها، ولم يكن ليتخذ المواقف التي اتخذها، والتي تنمّ أولاً وأخيراً عن تعلُّق واضح جداً بمبادئ ومسلّمات وقيم وثوابت ومشروع سياسي متكامل، يبدأ بقيام الدولة ولا ينتهي بحسن إدارتها، بصرف النظر عن الاعتبارات السياسية الأخرى كلّها».
وتقول مصادر «القوات»: «هو حرّ في موقفه، على رغم أنّ جعجع غير مرشح للرئاسة، ولو كان مرشحاً على الطريقة الكلاسيكية التقليدية لكان سمّى الحريري لكي يدعمه رئاسياً، لكن جعجع ليس في هذا الوارد لا من قريب ولا من بعيد، ولا يبدّي أي شيء على مبادئه السياسية، وعندما أعلن ترشيحه على قاعدة «الجمهورية القوية»، فإنّ إسم البرنامج يوحي بوضوح بالهدف الذي يعمل عليه ويسعى إليه، وهو الوصول الى جمهورية قوية في لبنان، وبالتالي من يدعم الدكتور جعجع لا يدعم شخصه بل المشروع الاساس». وبالتالي، تسأل مصادر معراب: «هل الحريري ضدّ هذا المشروع؟ ومع أي مشروع سياسي هو لهذا الموقع؟ وهل هذا الموقع يجب أن يكون لمشروع 8 آذار السياسي على سبيل المثال؟». بالنسبة الى «القوات»، إنّ جعجع «يجسّد بشخصه مشروعاً سياسياً، وبالتالي قد يكون الحريري ضدّ هذا المشروع السياسي المتعلّق بالوصول الى قيام الدولة وإدارتها».
فهل أغلق الحريري بكلامه باب التواصل بين «القوات» وتيار «المستقبل»؟ تقول مصادر «القوات»: «لم يكن هناك التقاء مع الحريري، في اعتبار أنّ أولويته تختلف عن أولويتنا، فأولويته التركيز على تأليف حكومة، بينما أولوية «القوات» إسقاط الأكثرية القائمة الحاكمة، لذلك لم يكن هناك إمكانية لأي لقاء مشترك، أمّا وأنّه اعتذر، فوفق الاولويات التي سيحدّدها سيكون لكلّ حادث حديث». أمّا أولويات «القوات» فهي: «على المستوى العملي الذهاب الى انتخابات نيابية لإسقاط الأكثرية، قيام دولة سيّدة على أرضها، الوصول الى إدارة نظيفة للدولة». وانطلاقاً من أنّها تتعامل سياسياً وفق هذه الأولويات، فإنّ التواصل مع الحريري و»المستقبل» يتوقف على الموقف الذي سيتخذه الرئيس المُعتذر، وإذا كان سيذهب في اتجاه استقالة من مجلس النواب أو أنّه لن يكون في هذا الوارد.
أمّا لجهة إمكانية التحالف بين «القوات» و«المستقبل» انتخابياً، علماً أنّهما لم يتحالفا في عام 2018، بل دعا الحريري حينها الى انتخاب رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وتحالف مع «التيار» في دوائر انتخابية عدة، فتقول مصادر «القوات»: «من المبكر الحديث عن التحالفات الانتخابية، علينا انتظار تطوّر الامور حتى حلول موعد الانتخابات، وبالتالي إنّ الأساس هو إجراء الانتخابات المبكرة أو في موعدها».
بعد اعتذار الحريري تبدأ مرحلة حكومية جديدة من التكليف والتأليف، وفي حين لم تُسمِّ «القوات» لا الرئيس حسان دياب ولا السفير مصطفى أديب، على رغم طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ذلك شخصياً من جعجع، ولا الحريري أيضاً، هل ستشارك في الاستشارات النيابية المرتقبة أم تمتنع عن المشاركة؟ وهل ستُسمّي شخصية إذا شاركت في الاستشارات؟ وهل من إمكانية لمنحها الثقة للحكومة إذا كانت مستقلّة؟
توضح مصادر «القوات»، أنّه لحظة يحدّد عون موعداً للاستشارات، يلتئم تكتل «الجمهورية القوية» لاتخاذ الموقف المناسب، وذلك انطلاقاً من موقف «القوات» لجهة أنّ الاولوية للانتخابات النيابية، لأنّ «الحكومة مع الاكثرية الحاكمة لن تؤدي الى إنقاذ لبنان وإخراجه من أزمته، بينما العبور من هذه الأزمة منطلقه والمدخل إليه انتخابات نيابية تطيح هذه الأكثرية». أمّا منح الحكومة الثقة فيتوقف على قرار التكتل أيضاً، مع الأخذ في الاعتبار مسألة أساسية، وهي أنّ «الحكومة حتى إذا كانت مستقلّة، الى أي حدّ ستفسح الأكثرية المتمثِّلة بعون وفريقه و»حزب الله»، المجال أمام هذه الحكومة لكي تتمكّن من العمل، والدليل على ذلك فشل حكومة دياب وعدم تمكُّن أديب والحريري من التأليف».