بعد كلّ اجتماع رئاسي او حكومي او وزاري او مصرفي، يتم الاعلان انّ أزمة المحروقات الى انفراج وأزمة الكهرباء الى حلحلة وأزمة الدواء الى انفراج وأزمة القمح ستُعالج خلال اليومين المقبلين، إلا انّ العكس تماماً هو ما يحصل على الارض. إنه زمن الأزمات المتصاعدة والمتنقلة، بلا أي أفق بوجود بارقة أمل في تغيير هذا المشهد الأسود.
تطول الطوابير امام محطات المحروقات، والتقنين في الكهرباء والمولدات يتضاعف الى أن توقّف معملا الزهراني ودير عمار عن العمل بالكامل نتيجة نفاد مخزونهما من مادة الغاز أويل، كما انقرضت الادوية تماماً من السوق الى حدّ قررت الصيدليات الاضراب والاقفال...
ورغم انّ مصرف لبنان فتح الاعتمادات المالية لبواخر المحروقات الراسية على الشاطئ اللبناني، والتي ستأتي في الايام المقبلة من خلال تخصيصه مبلغ 160 مليون دولار لهذا الغرض، إلا انّ أزمة المحروقات مستمرّة والطوابير باقية لأنّ الكميات مهما كانت وفيرة لا تصل كاملة الى المستهلك اللبناني، ولأنّ المبلغ المخصّص من قبل مصرف لبنان سيعالج الأزمة لبضعة أسابيع فقط لتعود وتتفاقم أكثر فأكثر.
كذلك الامر بالنسبة للدواء الذي اعلن البنك المركزي ايضاً انه سيقوم بتسديد الاعتمادات المتعلقة بالادوية لا سيما ادوية الامراض المزمنة بمبلغ لا يتعدّى 400 مليون دولار لغاية اواخر السنة الحالية يغطي ايضاً مستوردات اخرى كالطحين، إلّا انّ الأزمة باقية ومستمرّة لأن مستوردي الادوية لم يحصلوا على مستحقاتهم السابقة البالغة 600 مليون دولار، وليسوا مستعدّين للاستيراد مجدداً واستخدام المبلغ المخصّص للدعم قبل تسديد مستحقاتهم، علماً أيضاً انّ الحلّ الذي تمّ التوصّل اليه مؤقت، والمبلغ المُخصّص لاستيراد ادوية الامراض المزمنة، وهو ما يعادل نصف الفاتورة الاعتيادية، لن يلبّي حاجة السوق المحلي طالما انّ التهريب الى الخارج مزدهر ومستمرّ.
في خضمّ هذا المشهد، وبدعوة من تجمّع اصحاب الصيدليات، بدأ القطاع الصيدلي أمس إضراباً مفتوحاً، احتجاجاً على نضوب الأدوية عن رفوف الصيدليات منذ أسابيع، من مسكنات الألم العادية وحليب الأطفال الرضّع، حتى أدوية الأمراض المزمنة.
وقد أقفلت غالبية الصيدليات، وبينها صيدليات كبرى، أبوابها على طول الخط الساحلي بين مدينتي جبيل وجونية شمال بيروت، كما التزم عدد كبير من الصيدليات في الضاحية الجنوبية لبيروت الإضراب. وتفاوتت نسبة الإقفال بين منطقة وأخرى في أحياء العاصمة.
وأعلن عضو التجمّع علي صفا انّ «قرابة 80 في المئة من الصيدليات التزمت الإضراب في بيروت والمدن الكبرى، مقابل 50 الى 60 في المئة في المناطق والأطراف». وربط عدم الالتزام الكلي بعدم تأييد نقابة الصيادلة للإضراب، وطلبها مهلة للتفاوض مع وزارة الصحة.
وقال صفا انّ «المطلوب اليوم هو أن توقّع وزارة الصحة على لوائح الأدوية وفق الأولويات، فتبدأ الشركات تسليم الأدوية غير المدعومة الى الصيدليات وفق سعر الصرف في السوق السوداء، وتلك المدعومة وفق السعر» الذي تحدّده الوزارة.
من جهته، أوضح نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة لـ»الجمهورية» انّ مصرف لبنان أعلن انه سيخصّص 400 مليون دولار لغاية اواخر العام الحالي لاستيراد الادوية ومستلزمات اخرى، أي انّ حصة وزارة الصحة منها ستكون 50 مليون دولار شهرياً تشمل دعم الدواء والمستلزمات الطبية والصناعة الوطنية وحليب الاطفال، «وبالتالي سيكون من الصعب جدّاً على الوزارة تحديد الاولويات، وتلبية حاجة السوق اللبناني من ناحية ادوية الامراض المزمنة والمستعصية والمستلزمات والحليب... بهذا المبلغ فقط».
وفي ما يتعلّق بمستحقات مستوردي الادوية، قال جبارة انّ وزير الصحة صرّح ان مصرف لبنان سيقوم بتسديد المستحقات لكن لم يتم الاعلان او التوصّل الى آلية واضحة حول المبالغ التي سيتم دفعها او السرعة في التسديد لما قيمته 650 مليون دولار، مشدداً على انّ «عدم تسديد المستحقات سيؤدي الى عدم الاستفادة من مبلغ الـ50 مليون دولار المخصص شهرياً لدعم الادوية. لأنّ المستوردين لن يقوموا بالاستيراد مجدداً قبل تسديد مستحقاتهم لسبب بسيط انّ الشركات المورّدة الكبرى قد جمّدت حساباتهم وترفض تسليم أي طلبيات جديدة قبل دفع الاستحقاقات الماضية. وبالتالي، حتّى بعد تحديد الاولويات ورفع الدعم عن جزء من الادوية، فإنّ المستوردين لن يكونوا قادرين على الاستيراد قبل تسديد مستحقات الشركات في الخارج.
واكد انّ الانفراج في ازمة الدواء لن يحصل في حال لم تتم معالجة المسارَين بالتوازي، اي المستحقات والدعم المستقبلي.
وردّاً على سؤال، اعتبر جبارة انّ خفض فاتورة الاستيراد المرتبط بوزارة الصحة من 100 مليون شهرياً الى 50 مليوناً، سيؤدي الى رفع الدعم عن حوالى 20 في المئة من الادوية للامراض غير المستعصية والمزمنة.
وأشار الى انّ الاسبوع المقبل سيكون حاسماً لناحية التأكّد من تسديد المستحقات، ولناحية تحديد لائحة اولويات الادوية التي ستبقى مدعومة، وتحديد الادوية غير المدعومة.