ضجت الساحة اللبنانية بهذه العبارة منذ ٢٠٠٦ الى ما قبل ١٧ تشرين الهبة الشعبية التي ثارت على أثر تلمس أحد أركان المعادلة وهو (الشعب) بالأزمة التي كانت تلوح بوادرها، لمن لديه أدنى باع في شؤون السياسة وتتبع مآلات الحكومة الهجينة التي شكلها الحريري بعد الانتخابات والتي كان حليفًا لجبران باسيل فيها ومعادلة حليف الحليف التي جمعت أركان الطبقة السياسية من أحزاب سلطوية بعد أن أغدقت هذه السلطة الكثير من الرشوة ابتداء بإقرار سلسلة الرتب والرواتب التي أرهقت الموازنة عجزا تاما، وليس انتهاء بالتوظيفات الانتخابية، وفي الوقت نفسه كانت عين الحكومة وسعدها على مؤتمر سيدر الذي كان مقررًا أن يسند الواقع الاقتصادي ويعطيه الابرة التي أدمنت عليها الحريرية السياسية في اعتمادها على المؤتمرات الدولية لإنعاش الإقتصاد، هذا الإقتصاد الذي يشبه السلة الخشبية القشية المعدة لحمل الماء، بدل أن تكون للحكومات المتعاقبة من الـ 1990 إلى اليوم خطط تنموية تؤمن وترفع لبنان من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الإنتاجي.
خروج الشعب في السابع عشر من تشرين آذن بخروجه من معادلة الحكم التي كانت قائمة وقال كلمته بسخط ونقمة على الواقع الاقتصادي والسياسي، وبالتالي طالب بإسقاط النظام واللعبة السياسية التي قامت على "معادلة الجيش والشعب والمقاومة".
يبقى الجيش وهو الحافظ للأمن والمحافظ على تنظيم أمور الناس ، كي لا تدخل البلاد حال الفوضى وترجع إلى حالة الطبيعة التي كانت عليها المجتمعات ما قبل الدولة والتي جرد مفهومها "توماس هوبس" حين قال "عن المجتمعات ما قبل الدولة في الحالة الطبيعية، والتي تكون فيها حرب الكل ضد الكل، وتظهر طبيعة الإنسان الحيوانية في كون الانسان، ذئب لاخيه الانسان.
الجيش متحملا المسؤولية:
حاول الجيش بكل ما يستطيع أن يكون محايداً، لا لأنه ينحاز إلى الشعب ،أكثر من انحيازه إلى طبقة سياسية فاسدة ،وإنما لوعيه لنفسه، ولدوره في الدولة الديمقراطية المفترضة. فهو يعرف أن لبنان ليس دولة عائلة وإن مرّت فهي زائلة، ويعرف أيضاً، أنه ليس دولة حزب ولو قدر اليوم فسيكون بائسا غدا، هذا ما هو عليه الحال في تداول السلطة في الدولة الديمقراطية المزعومة.
تحمل الجيش ،الكثير من التهم، وهو يقوم بدوره ، وبإنهيار العملة الوطنية، أصبح الجيش فاقدا للمؤونة ومع ذلك لم يترك الميدان، وعينه على ما تبقى من ضمير عند القوى السياسية، ولم نجد أن هيئة شعبية أو سياسية إنبرت إلى تقاسم الخبز مع من يؤمن الأمن لرغيف الخبز، بل على العكس وجدنا من يشكك ويتهم، وليس ما قرأناه مؤخرا عن تهم لقائد الجيش بأنه يلعب بالنار، وهو التوصيف لما يقوم به الجيش وقائده في محاولة صناعة عقيدة قتالية لدى الأفراد تحاكي مواجهة من يتمركزون في مربعات وفي مثلثات أمنية.
وفي الوقت نفسه يذهب الى نظرائه "قادة جيوش الدول الصديقة، لوضع الصورة الحقيقية لواقع الجيش الذي ينذر بالخراب اذا ما ترك.
إن للجيش أصدقاء لن يتركوه يسقط، لذلك فإن أغلب اللبنانيين إذا لم نقل الجميع، يجمعون على إحتضان الجيش ودعمه والوقوف الى جانبه ومقاسمته كسرة الخبز وما تبقى من بيوت المواطنين من مؤونة ليبقى الجيش نقطة الارتكاز للنهوض بعد ما فشلت المؤسسات المدنية والسياسية من اكتساب الثقة والمحافظة عليه .
أما المقاومة وهي العامود الثالث من معادلة الجيش والشعب والمقاومة، فإنها لم تكن واعية بأن نظيرها الشعب يئن من الجوع وانعدام الفرص والعمل والعيش الكريم ولا أعرف سببًا يجعل من المقاومة، مترددة ومنحازة، بعكس الجيش الذي لم ينحاز. وبقي على مسافةٍ من الجميع .
كانت الرؤية عند المقاومة في بدء أزمة الانهيار ، تعتمد العمل على تماسك الطبقة السياسية وهي تعرف أن هذه الطبقة، ممزوجة بالفساد والافساد وهي غير جديرة بحمل الامانة أمانة الدولة والشعب.
وحتى المقاومة نفسها لا تشعر بالامان من غدر السياسة فلماذا اتخذت المقاومة وسيدها كما يحلو للبعض وصفه الموقف بالانحياز الى السلطة وترك الشعب في الساحة.
والاكثر من ذلك اتهام الشعب بأن ثمة جهات تحركه، إن أزمة فكرية وثقافية وسياسية كانت السبب.
وأزعم أن المقاومة التي أتقنت العمل الاستراتيجي، فشلت بالعملية السياسية وهي اليوم تنحو منحى من يخمد النار بدلو الماء.
ولعل التأثير المتبادل بينها وبين حليفها النظام السوري كان له الأثر الاكبر في توصيف الشعب بأنه متمرد ومسيس ومأجور ومدعوم من الخارج، هذه الادبيات التي يواجهها الشعب من قبل الانظمة الاستبدادية.
كانت المعادلة ذهبية ومتماسكة عندما كانت بمواجهة العدو الخارجي اسرائيل، لكنها تصدعت عندما علم الشعب أنها تستأثر لنفسها بالدولار من الخارج ، وتعيش رغد أيامها فيما الشعب الذي اتكأت عليه يعيش أصعب أيامه مع جيشه الذي يشاطر شعبه شجوبة العيش وقلة الفرص.
لن تبقى المقاومة محتضنة وتصبح فئوية عندما تتخلى عن داعمَيها الاساسيان اللذان أرفادها بكل نقاط القوة وهما الجيش والشعب.
حرس الله لبنان جيشه، وشعبه.
عشتم وعاش لبنان بلا طوابير ذل وبلا طبقة سياسية فاسدة.