بعد إنكفاء الحركة الوطنية بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، تقدّم الفكر الديني ليملأ الساحة السياسية والعقائدية والفكرية متجليا بالطوائف ورموزها. وقد كان لهذا الفكر ألقهُ ومشروعيته وبعضا من المصداقية، فانجرفت جماهير واسعة من مختلف الاجيال لتلتحق بركبه، وتنغمس بتجاربه، وتنعم بمكتسباته، وتكتوي بنيرانه. وظلّ الفكر الماركسي بتلاوينه الشيوعية محتفظا ببعض ألقه، مُصرّاً على مصداقية طروحاته، ولم تنل التجاربُ المحبطة والمرّة من نُبل مقاصده، وشرف تضحياته. وظلّت فكرة القومية السورية بمناصريها ومعتنقي مبادئها وصلابة عقيدتها حيّةً في نفوس الكثيرين. كذلك فكرة القومية العربية وأحلامها الوحدوية والاشتراكية وخلود أمتها حاضرة في أكثر من مجال، وفي أروقة منظّماتها واحزابها. حتى وصلنا اليوم، وقد فقد الجميع القه وبريقه ومصداقيته، وتبعثرت أماني الجميع، وغدت النضالات هباءً منثورا. وبتنا في فوضى معنوية لا مثيل لها.. ودخلنا في متاهات لا قرار لها ولا منافذ. إنّها رحلة الضّياع العربي، والكفر بمبادئ الاحزاب وانهيار المعتقدات اللاهوتية.زمن الطوفان، ولا عاصم من مياهه، ولا سفينة نجاة، ولا نبيّ يجمع المتناقضات، ويفصلنا عن قُصي بن كلاب أكثر من ستة عشر قرناً.