من الطبيعي معاينة الأزمة طائفياً لأن النظام الطائفي هو المسؤول وهو الذي أتاح للطوائف التحكّم بالدولة وقد أثبت اللبنانيون هويتهم الطائفية من خلال اختياراتهم السياسية اذ أنّهم من أنتج وايّد طبقة سياسية هي من أسوأ الطبقات التي حكمت لبنان من كُبره الى صغره .
بغض النظر عن ألف سبب و سبب تبقى مسؤولية اللبنانيين متجلية وواضحة عن جريمة ارتكبوها لأكثر من استحقاق نيابي وبلدي وهذا ماسبّب ما نحن عليه الآن من أزمات لا حصر لها ولا إمكانية لعلاجها طالما أن من اختارهم اللبنانيون عاكفين على الخراب لا على الإصلاح لأن من يهدّم من المستحيل أن يعمّر لأنّة لا يتقن سوى فنّ التهديم .
مخّضت الأزمة في فساديها السياسي و المالي عن رغبة لبنانيين صادقين في تغيير أسباب الفسادين وعن نزعة جادة عند البعض ومرتبكة ومتلاعبة عند البعض الآخر من داخل الطبقة السياسية فنشأت قواسم مشتركة مابين الرغبة والنزعة تمظهرت في ظاهرة الثورة التي حصلت في لبنان والتي لم تحدث منذ اتقاق الطائف بهذا الحشد وبهذا التنوع وبهذه الصفة الوطنية وبهذه العناوين والشعارات التي عكست نوايا الرغبة البريئة ولم تعكس صورة النزعة المستغلة بعد أن طالتها هجمة الرغبة اللبنانية على الطبقة السياسية بكل مكوناتها .
لم يستطع التيّار الوطني الحرّ منذ البداية من عدم مجاراة مجريات الثورة التي تحمل ما حملته العونية السياسية طيلة نفيها من شعارات وما يباهي به العهد من تحد للخارجين عن القانون ممن تحالف معهم بغية الوصول الى قصر الرئاسة وافترق كلامياً عنهم ليمد يداً للثورة كي يتفاهم معها على الإصلاح الذي التزم به نظرياً وكان رفض الثورة لذلك قد أنشد مواجهة معها واستطاعت بكركي المعنية في الثورة بوضع حدّ لسلوك الثورة تجاه بعبدا وتحييد الثوّار عن القصروهذا ما أزعج أهل النزعة داخل الثورة وتحديداً القوّات التي شخصت المشكلة بأنّها تكمن في الرئاسة الأولى.
إقرأ أيضا : باسيل يفشّل بري ويقيّد الحريري ويُصعد جنبلاط التل
اذن لم يبد روّاد الطبقة السياسية سوى التعاطف والتعامل مع الثورة من كل تشكيلاتها الطائفية بإستثناء التشكيل الشيعي الذي اعتبر الثورة مؤامرة خارجية تديرها السفارات وأن هوى هذه الثورة لن يفلح في إسقاط العهد أيّ في إسقاط السلطة القائمة وتدخل التشكيل الشيعي مباشرة باستخدام القوّة بعد سياسات التخوين واستطاع أن يقضي عليها في المناطق الشيعية وأن يزعزعها في المناطق الأخرى ومن ثمّ همّت الطبقة السياسية كافة لضرب الثورة من حيث رغبتها في التغيير وكانت السلطة هي الأداة التي أوكل اليها مهام القضاء على الثورة ميدانياً وكانت حكومة حسّان دياب التي ما كانت لتكون لولا أصحاب النزعة المتلونة في الثورة الذين منحوها مبرر قيامها وسهلوا لها حضورها السياسي من خلال تشتيت رؤى الثورة مابين أكثرية مؤيدة لفرصة تعطى لحكومة دياب وقلّة غير موافقة تمّ سحبها الى حيث يتم الإسكات الكرهي .
لذا لم يكن طرفا الشيعة هما من اغتالا الثورة لأنهما ضدّا أيّ تغيير يمس السلطة القائمة وفق توازناتها الحالية والمعمول بها منذ خروج النظام السوري من لبنان ولأن الإغتيال يتمّ من الداخل لا من الخارج فإن من اغتال الثورة هي التشكيلات الطائفية الأخرى ممن وجدوا في الثورة تهديداً لزعاماتهم اذا ما استمرت على ماهي عليه من دفق وطني ومن تنديد مباشر لأدوار وأشخاص مسؤولين عن موت مواطن .
وما السكوت المطبق اليوم من قبل الطوائف وزعمائها وأحزابها على أسوأ مرحلة يمر بها المنتمون اليهم إلا توكيداً على صناعتهم السيئة والخبيثة في ظل موقف شيعي يعتبر الأزمة معركة أميركية خاسرة معه حيث لا ضرر ولا ضرار وتشهد على ذلك أغلبية شيعية تنظر للأزمة العاصفة بلبنان بعين الرضا .