كل من يتناول موضوع تعثر تشكيل الحكومة يقاربها من زاوية تحميل المسؤولية لأحد طرفي الازمة، ففريق يضع اللوم على الرئيس ميشال عون وصهره، وفي هذا شيء كثير من الصحة، فرفض تكليف الحريري وتعطيل الوصول الى تشكيل الحكومة بدأ مع الرئيس وصهره حتى قبل ان يُكلف الحريري وليس بعد تكليفه من خلال الرسالة التي ارسلها عون للنواب عبر الاعلام وقبل يوم من تكليفه، يدعوهم فيها بشكل موارب الى عدم تسميته.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى يقف فريق عون ومعه حلفاءه من صحفيي الحزب واعلامه ليحملون المسؤولية للرئيس المكلف، ولكن بمعطيات أقل ما يقال فيها أنها غير مقنعة، فمرة باعتبار ان السعودية لا ترغب بترؤس الحريري، ومرة أخرى من خلال الادعاء أن الحريري يريد فرض شروطه على "صديقه" القديم جبران باسيل.
كل ما يساق في هذا الاطار فيه شيء من الحقيقة، وان بشكل متفاوت، اما اذا ما غصنا أكثر في عمق الازمة فإننا سوف نكتشف أن كل ما يطفو على سطحها لا يعكس بالضرورة ما هو مستور ومسكوت عنه
أستطيع أن أدعي أن خلاف ( باسيل – الحريري )، ما هو إلا انعكاس لخلاف حقيقي وغير معلن بين ( بري – نصرالله )، فالرئيس بري لا يخفي دعمه وتأييده للرئيس الحريري، فيما نصر الله يقف خلف ميشال عون وصهره، وبالتالي فالرئيس بري، الذي اعترض منذ اللحظة الاولى على وصول عون الى بعبدا، فهو لم يأل جهدا على المساهمة بإفشال هذا العهد مستعينا طبعا بالاداء و"تخبيص" الصهر، بما يعني بمكان ما أن الفشل الذريع الذي أصاب ويصيب هذا العهد هو بمثابة صفعة أيضا الى من وقف ويقف خلفه ( السيد ).
إقرأ أيضا : لقد أذلنا حزب الله!!
وعليه، فالرئيس بري هو طرف واضح ولا مجال هنا للتأويل أو الاجتهاد، وهذا ما أكده أحد قيادات التيار العوني بُعيد انتهاء السيد من كلمته الاخيرة داعيا فيها طرفي النزاع للاستعانة بصديق، حين غرد هذا المسؤول ردا على السيد : ولكن بري ليس صديقا يا سيد !!
يبقى السؤال، ماذا أراد السيد من إقحام بري كوسيط هذه المرة؟؟ وما هي حظوظ ما سمي بمبادرة بري بالنجاح ؟ خاصة أن " الخليلين " لم يتوقفا منذ اليوم الاول عن جولاتهما وصولاتهما الماراتونية بين بيت الوسط والشالوحي !
أعتقد أن طلب السيد من بري للعب دور الوسيط، إنما يهدف الى ازاحته من جانب الحريري ووضعه بالوسط، وهذا ما يُعتبر دعما لباسيل وخسارة صافية للحريري
وبناء على ما تقدم، فأنا أعتقد جازما، ان الرئيس بري لا تنطلي عليه هكذا أفخاخ ساذجة وهو المخضرم المجرًَّب، وان مصير ما سمي تجاوزا ب "المبادرة" سيكون مصيرها هي الاخرى كمصير الرسالة الاخيرة التي ارسلها ميشال عون الى مجلس النواب وانقلابها على مرسلها، واكثر من ذلك فأنا أعتقد بأن الرئيس بري لن يتوانى عن الاعلان السريع لفشل "مبادرته" وتحميل المسؤولية بطريقة او بأخرى للرئيس وصهره، ولا أظن أن بري منزعج من "التهديد" العوني بالاستقالة من المجلس حتى وإن ادى الى حلّه، بالاخص أن العمر المتبقي لهذا المجلس لا يتجاوز العام الواحد، فبري المطمئن على الكرسي الثانية للمرة السابعة، لعله يفضلها هذه المرة بدون جبران، ومع كتلة عونية لا تتعدى السبع نواب .