بعد خمود أصوات المدافع في نيسان 1993، والتوصل الى ما عُرف يومها باتفاق نيسان بين المقاومة من جهة وإسرائيل من جهة ثانية، والذي بموجبه إتفق الفريقان بتجنيب المدنيين على الضفتين الاعمال الحربية، وقف شيمون بيريز يومها ليقول كلمته الشهيرة : لقد هزمنا حزب الله .
وفعلا يومها شعر اللبنانيون جميعا، وبالأخص ابناء الجنوب أن معادلة جديدة دخلت على خط الصراع مع المحتل سوف تكون أقل كلفة، وأن بدايات فجر التحرير وما يجب أن يتبعها من حياة كريمة بدأت ملامحه تلوح في الافق ودخل الحزب يومها وبدون إستئذان الى قلوب ووجدان الجنوبيين، اذ للمرة الاولى منذ عقود طويلة من المعاناة شعر أهل الجنوب أن أحدا يلتفت اليهم والى حماية حياتهم، وأنهم لم يعودوا مجرد أرقام ضحايا في نشرات الاخبار.
اليوم وبعد مرور سنوات طويلة على التحرير ( 21 عام )، وفي أوج قوة حزب الله العسكرية والامنية والسياسية، عاد للاسف الشعور المحبط يتسلل مرة أخرى عندنا نحن الجنوبيين، ورجعنا الى ما قبل اتفاق نيسان، ولكن هذه المرة وبكل أسف فإن الاعتداءات مصدرها ليس عدو محتل، وإنما سلطة فاسدة فاجرة متحكمة برقاب البلاد والعباد ومحمية هذه المرة بقوة السلاح الذي ظننا يوما انه مدافعا عنا، وان حياتنا ومستقبلنا هي اولوية عند هذا السلاح، ليتبين أن كل ما ظنناه واعتقدناه ليس إلا سراب.
إقرأ أيضا : قاآني آخر من يعلم، ماذا بعد غزة ؟
تمر ذكرى التحرير (عيد التحرير) هذا العام، وقد مضى عليه سنوات طويلة، فشل الحزب وسلاحه وصواريخة في الحد الادنى بحماية المدنيين!! من خلال فشله ببناء دولة القانون والمؤسسات تؤمن الحد الادنى من مستلزمات العيش الكريم، فإذا كان القصف الاسرائيلي إبان الاحتلال وقبل إتفاق نيسان كان يطال بعض القرى المحازية للشريط المحتل وبعض ساكنيها، وأضراره محصورة جدا، فإن الاداء السياسي لحزب الله، وحمايته للطبقة الفاسدة خدمة لمشروعه السياسي، وإصراره على التمسك بها بالرغم من كل شيء، ورفضه ومحاربته أي مبادرة اصلاحية، فإن أضرار هذا التسلط يصيب كل لبنان وكل اللبنانيين، ولا أعتقد أن الامر يحتاج إلى أدلة أو نقاش، ويكفي اليوم ان تتابع أخبار لبنان وما وصلت إليه الحال من تدهور على كل المستويات المعيشية، فلا بنزين ولا دواء ولا مستشفيات ولا مدارس ولا كهرباء ولا اعمال ولا قضاء ولا مؤسسات، فإن بمقدور أي لبناني أن يقف الآن ويعلن بكل وضوح وبدون أي تردد : لقد أذلنا حزب الله .