بالأمس احتفل تيار المقاومة والممانعة بالذكرى الحادية والعشرين لتحرير الجنوب اللبناني من نِير الإحتلال الإسرائيلي، التحرير الذي كان بارقة أمل للجنوبيّين، ومعهم سائر المواطنين اللبنانيين الحالمين بغدٍ مُشرق، وسيادة وطنية كاملة، ودولة مُتعافية، لتتصدّى لمشاكل وهموم وموجبات ما بعد التحرير، كتأمين الحدّ الأدنى من الخدمات العامة، وتأمين ما يلزم من فُرص العمل، للحدّ من الهجرة ونزيف القوى العاملة الفتيّة، هذا فضلاً عن تأمين المستلزمات الحياتية الضرورية كالطِبابة والإستشفاء والتّعلّم، ومن ثمّ تطهير الإدارة العامة من بؤر الفساد، والتّحضير لقيام حياة سياسية نشطة وسليمة، تُمهّد للبدء بالعمل الجدّي ل"لبننة" حزب الله، ووضع حدٍّ مقبولٍ للنفوذ الإيراني في لبنان عبر هذا الحزب، ومن خلاله في أرجاء الوطن العربي.
إقرأ أيضا : المقاومة فرع عنجر
للأسف الشديد، لم تتحقّق معظم هذه الطموحات المحقة والأماني، ليجد الجنوبيون أنفسهم بالأمس واقفين في صفوفٍ طويلةٍ أمام محطات الوقود، سعياً للحصول على قليلٍ من مادة البنزين الضرورية لدورة الحياة الإقتصادية "المعطوبة" أصلاً، يتشاجرون ويتعاركون في بعض الأحيان، والذهول والخيبة وأمارات الذّل بادية على الوجوه، يتساءلون في أعماق نفوسهم، أهذا ما نستحقّه بعد أعياد النصر والتحرير والأهازيج وعراضات الإحتفالات؟ لا بل كيف تمكّنت هذه الطبقة السياسية الفاسدة من استثمار النصر، والعبث في خيرات البلاد فساداً ونهباً، وهل دفع خيرة الشباب المجاهدين زهرة أعمارهم لتتضخّم ثروات الحكام الفاسدين وأبنائهم وأنصارهم وأزلامهم؟ إذا كانت الكهرباء مفقودة، ومادة البنزين عزيزة، والدواء صعب المنال، وتأليف حكومة جديدة بات من سابع المستحيلات، فهل يحقّ اليوم ل"تُجّار" القضايا "المُقدّسة" أن يتفاخروا بأعياد التحرير والنصر ودحر العدو، وهم يُحافظون على "العدُوّ" الداخلي ويسهرون على راحته، وديمومة استثماراته غير الشرعية، والعجب العُجاب الطّلب من عباد الله الصابرين أن يُوافكوم لتزيين ساحات النصر، وملأ شاشات التلفزة بالأكاذيب والبهورات، والتحليلات السياسية البائسة عن انتصارات المقاومة والممانعة التي تكاد لا تتوقف ولا تنحني.
كان الأحنف بن قيس يقول: لا مروءة لكذوب، ولا سؤدد لبخيل، ولا ورَعَ لسيّئ الخُلُق.