لم يتعرّض شعبٌ في تاريخه لظلمٍ وحقدٍ دفين كالذي تعرّض له الشعب الفلسطيني ويتعرض له اليوم، منذ أن شرعت الصهيونية العالمية أواخر القرن التاسع عشر بالتّخطيط لاحتلال فلسطين واقتلاع شعبها من أرضه ومرابعه، وتشريد سُكّانها في أصقاع الأرض، بعد تنظيم المجازر قتلاً وترويعاً وهدماً، واستباحةً للحقوق وطمساً لحقائق التاريخ والجغرافيا، وها هو اليوم يتعرض لظلمٍ مُضاعف، إذ تواصل آلة الحرب العسكرية الإسرائيلية استكمال خُططها، بمحاولة استئصال ما تبقّى من مظاهر صمودٍ في الأرض الفلسطينية المحتلة، ويتسلّط هذه الأيام الحالكة على هذا الشعب الصابر المحتسب، أنبياءُ كذَبَة، وتُجّار قضايا"مُقدّسة"، ومُرتزقة احترفوا استغلال مآسي الشعوب وآلامها ومُعاناتها، في خدمة برامجهم المشبوهة، ومُخطّطاتهم التوسعية، ويتوسّلون في سبيل ذلك النّفخ في شعارات "المقاومة الإسلامية"، حرفاً للنّضالات الوطنية والقومية والإنسانية عن أهدافها المشروعة، وإضراراً بمصالحها الوطنية ومُستقبل أجيالها، هذه النضالات التي وحدها تستطيع أن تصون حقوق الشعوب التّواقة للخلاص من نِير الإستعمار القديم والجديد، والقضاء على الإستيطان العنصري والديني والمذهبي المقيت، فتضيع تلك الحقوق وتذهب هباءً، بعد أن تلتهمها قوى الإحتلال الصهيوني بالتّشارك والتّعاضد مع أصحاب الخُطط المشبوهة التي تتقاطع مع أطماع العدو الصهيوني في أكثر من موقف، سواء عن وعيٍ منها أو في غفلةٍ عنها.
إقرأ أيضا : العونية والحريرية..ثنائية الدمار والخراب والديون وبؤس اللبنانيّين.
حالُ الشعب الفلسطيني مع هؤلاء الذين يملأون الأجواء زعيقاً ومُزايداتٍ بلا جدوى ولا طائل، "كدابغةٍ وقد حلِم الأديم"، وحلِم هنا بمعنى فسُد، والأديم هو الجِلد، وقد يبِسَ فلا تنفع فيه دِباغة. وكتب الوليد بن عُقبة إلى معاوية بن أبي سفيان بهذا البيت من الشعر:
فإنّكَ والكتابَ إلى عليٍّ
كدابغةٍ وقد حلِم الأديمُ.