تحرير فلسطين من البحر إلى النهر هدف لا يزال بعيد المنال، وكذلك حلّ الدولتين، ولسنا سذّجاً لننتظر تحقيق واحد من هذين الهدفين في نهاية هذه الحرب التي تدور بين الشعب الفلسطيني والعدو الإسرائيلي، لكن هناك معطى جديد لا يمكن تجاهله أو القفز فوقه نتج عن هذه الحرب، أنه لم يعد هناك مكان آمن في الكيان الغاصب، والتهديد هذه المرّة حقيقي وفعلي، والأهم أنه يأتي من الداخل الفلسطيني، وليس من دول أو تنظيمات خارجية، ولا من خطابات وتهديدات كلامية بهلوانية، والمستوطنين الذين جاؤوا بهم من كل أصقاع الأرض ليستوطنوا في أرض فلسطين، ووعدوهم بالأمن والأمان والحياة الهانئة، إكتشفوا بأن تلك الوعود مجرد أوهام، وأن قيادتهم خذلتهم وضللتهم، لأنها عجزت عن تأمين الحماية التي وعدتهم بها، والفيديوهات التي تنشر من الداخل الإسرائيلي وما تحمله من غضب وتعب وعتب ورعب، وما قرأناه لكتّاب ومحللين ومؤرخين ومسؤولين حاليين وسابقين إسرائيليين، أجمعوا على أن مستقبل "إسرائيل" على المحك، وأن لا شيء يضمن بقائهم على هذه الأرض، هذا يعني بأن ثقة الإسرائيلي بدولته القوية إهتزت، وبأن هجرة اليهود المعاكسة من الأراضي المحتلة ستنشط أكثر بعد هذه الحرب، والهجرة إلى فلسطين المحتلة ستصبح ضرباً من الإنتحار أو ذهاباً إلى المجهول.
قالها أحد المستوطنين القادمين من روسيا وهو يبكي هارباً من الصواريخ المتساقطة في الأراضي المحتلة " أصبحنا نشعر هنا بأن حياتنا بلا ثمن، فكروا مرتين قبل الهجرة إلى إسرائيل أو الإلتحاق بالجيش، كان خطأنا كبيراً حين قررنا الهجرة إلى إسرائيل دون حسابات..."، وكذلك كتب الصحافي الإسرائيلي يارون لندن في مذكراته قائلاً "أعدّ نفسي لمحادثة مع حفيدي لأقول له بأن نسبة بقائنا في هذه الأرض لن يتعدى ال٥٠%، ولمن يغضبه قولي هذا، أقول له بأن نسبة ال٥٠% هي نسبة جيدة، لأن الحقيقة أصعب من ذلك..."،
هذا يؤكد بأن بقاء المستوطنين في فلسطين المحتلة أصبح مكلفاً ومقلقاً أكثر من أي وقتٍ مضى، ولم يعد هناك قدرة عند قادة العدو على التسويق لهجرة اليهود إلى فلسطين المحتلة، وبيعهم أوهام بالعيش الآمن والمستقبل الواعد، لأن هذه الأوهام يسهل دحضها وتكذيبها بالوقائع والأدلة الدامغة.
من المبكر التحدث الآن عن نتائج هذه الحرب السياسية والعسكرية وهي ما زالت في ذروتها، لكن من المؤكد أن إحدى أهم نتائجها، هي إهتزاز هيبة وقوة دولة "إسرائيل" المزعومة في عيون شعبها، وإنكشاف عجزها عن حماية مدنها ومستوطناتها سواء من صواريخ المقاومة الفلسطينية أو من نشاط المقاومة الشعبية بكافة أشكالها، وما حدث في القدس ويافا واللدّ وغيرها من المدن الفلسطينية المحتلة، يؤكد بأن الشعب الفلسطيني يمتلك الإرادة والقدرة على الصمود والدفاع عن نفسه، وإنزال الخسائر بقوات العدو ومستوطنيه، أما القبة الحديدية التي لطالما تباهى بها العدو، لم تستطع تأمين الحماية المنشودة لمدن العدو، وأصبحت قبّة كرتونية بنظر الإسرائيلي قبل الفلسطيني، وإذا كانت القبة الحديدية أمّنت نسبة حماية تصل إلى ٨٠% كما يدّعي جيش العدو، فكيف للعدو أن يحمي شعبه ومستوطنيه من تسلل الخوف والقلق إلى قلوبهم وعقولهم؟!
ومن النتائج المهمة لهذه الحرب، أنها أعادت الروح والنبض والأمل والمعنويات العالية لكل فلسطيني في الداخل وفي الشتات، ولكل مؤيد وداعم للقضية الفلسطينية، بأن هذه القضية لم تمت ولن تموت على الرغم من مرور ٧٣ عاماً على النكبة، وأن صفقة القرن المشؤومة، ولدت ميتة بفضل إرادة الشعب الفلسطيني الجبار، وسوف يكتشف عرب التطبيع قريباً، بأنهم صعدوا إلى قطار معطّل، وسيقتلهم الملل، وهم ينتظرون إقلاعه بلا أمل.