لا جديد على صعيد الملف الحكومي وكل ما يثار من معلومات عن وجود اتصالات ومبادرات جديدة لا يعدو كونه مجرد تحليلات وتكهنات لا ترتكز إلى أي معطى ملموس على أرض الواقع، بهذه العبارة يمكن توصيف حال المراوحة المستحكمة بالبلد، بدليل أنّ الأطراف لا تزال عند مواقفها المعروفة ولم يحدث أي خرق يبنى عليه في جدار الأزمة.
الأزمة الحادّة التي يواجهها لبنان هي داخلية بامتياز، وبانها ليست من صنع القوى الإقليمية، بل تستفيد هذه القوى من خلافات اللبنانيين الداخلية سواء على تقاسم السلطة ومنافعها أو للحفاظ على منظومة الفساد القائمة منذ عقود، والتي تسببت بافلاس الدولة وسرقة أموال جميع اللبنانيين.
للأزمة الراهنة اسبابها الداخلية والتي تأتي في رأسها عقدة جبران باسيل والذي يبذل الجهود منذ بداية عهد عون ليكون هو الخليفة في الرئاسة، في وقت يبدو بأن الأمر قد تحول لدى صاحب العهد إلى معادلة تقول جبران أو الفوضى وصولاً إلى جهنم .
في ظل هذه المعادلة، وفي ظل العقبات المتوالدة، امام مسيرة جبران باسيل إلى الرئاسة، واهمها تهمة الفساد المتزامنة مع العقوبات الأميركية المفروضة عليه وفي ظل استمرار حزب الله في دعمه لباسيل، يبدو بأننا بتنا نسير بخطوات حثيثة نحو استعادة المخطط التدميري الذي اعتمده العماد عون سنة 1988، مع امكانية منع حصول الاستحقاقات الدستورية في اوقاتها عام 2022 سواء لجهة اجراء الانتخابات النيابية أو الانتخابات الرئاسية، وبالتالي تحوّل جمهورية لبنان الكبير إلى دويلة حزب الله بالفعل .
فبعد سقوط المبادرة الفرنسية ، يبقى الأمل الوحيد للخلاص ، في تفعيل وتزخيم مبادرة البطريرك الراعي للانتقال بها إلى عواصم القرار ومجلس الأمن، علنا ننجح في اقناعهم بحياد لبنان وبضرورة انعقاد مؤتمر دولي لتحصين هذا الحياد. هذا هو الخيار الوحيد الذي يمكن ان تواجه فيه عقدة باسيل، وان نمنع سقوط الجمهورية .
اهل السلطة مستمرون في مسيرة تسليم البلد الى مافيات الاحتكارات السياسية والمعيشية، وقد بدأت تسود شريعة الغاب اكثر فأكثر، في التعاطي مع لقمة عيش اللبنانيين، على وقع ما يحكى عن رفع الدعم عن المواد الغذائية، وكل المؤشرات، الداخلية والخارجية، تحذر من انفجار اجتماعي يعرف كيف يبدأ، لكن احدا لا يعرف متى ينتهي وكيف وبأي ثمن، خصوصا وانه لم يصدر عن المؤسسات الرسمية المعنية، ما يؤشر الى احتياطات مطلوبة وواجبة الوجوب، بل على العكس من ذلك، حيث الاتجاه السائد ان الدعم سيرفع حتما عن السلة الغذائية، ما سيؤدي الى ارتفاع الاسعار، بنسبة عالية جدا، لا يقدر اللبنانيون، بغالبيتهم الساحقة، على تحملها وتقبلها، خصوصا وان سعر صرف الدولار تجاوز حسابات وقدرات الناس ومداخيلهم.
إقرأ ايضا : غياب التسوية الجديدة لولادة الحكومة المحتجزة
كل المؤشرات تعطي انطباعاً واضحاً بأن لبنان بات قاب قوسين من الدخول في المجهول المخيف، على أبواب مرحلة اقتصادية ومعيشية خانقة تتهدده ، بدت مؤشراتها الملموسة من خلال العتمة الزاحفة بعد إبطال المجلس الدستوري للسلفة المالية التي أقرها مجلس النواب، وقرار الباخرتين التركيتين بإطفاء محركاتهما بعد النزاع مع القضاء، وتوازياً مع تصاعد أزمة المحروقات، حيث السيارات طوابير أمام محطات الوقود، رغم نفي المعنيين لوجود أزمة على هذا الصعيد، وما يترافق ذلك مع مخاوف من انقطاع الأدوية بسبب الاستمرار في ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء.
وكل ذلك يجري في خضم تشاؤم دولي حول مستقبل الأوضاع في لبنان، بعد العقوبات الأميركية على القيمين على النظام المالي في لبنان، في موازاة التوجه الفرنسي والأوروبي لفرض عقوبات على معطلي تشكيل الحكومة، في ضوء الصورة القاتمة التي رسمتها النتائج التي أفضت إليها زيارة وزير الخارجية الفرنسية.
أن لبنان لم يواجه عزلة من الأشقاء والأصدقاء في ما مضى، كما هي العزلة التي يواجهها الآن على كل الأصعدة، نتيجة سياسة العناد والتعنت التي يمارسها أهل الطبقة السياسية المتحكمين بالقرار، وهذا ما يبدو واضحاً من خلال الصراع القاتل على تشكيل الحكومة، وتغليب المصلحة الخاصة على مصلحة البلد .
تعيش الطبقة الحاكمة ما دون السياسة. وربما على درجة أدنى من التطورات في المنطقة، وفي مرتبة متأخرة جداً عن المبادرات المواكبة للتطورات الخارجية، تصعيداً أو تهدئة وبحثاً عن فرص الانقاذ. فالمنزلة التي تتربع فيها الطبقة الحاكمة عالقة وغارقة في النكايات وحرب تسجيل النقاط، وهيهات أن تقدم مبادرات وحلول للأزمة وتشكيل الحكومة.
لا تزال الأمور على حالها، ولا جديد يشي بأي بادرة فرج، وكل الحديث عن مبادرات ومحاولات لتدوير الزوايا بين أطراف عملية التأليف المستحيل للحكومة لم تصل الى النتائج المرجوة.